القول في تأويل قوله تعالى : ( ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ( 111 ) )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : لقد كان في قصص يوسف وإخوته عبرة لأهل الحجا والعقول يعتبرون بها ، وموعظة يتعظون بها . وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجب ليهلك ، ثم بيع بيع العبيد بالخسيس من الثمن ، وبعد الإسار والحبس الطويل ، ملكه مصر ، ومكن له في الأرض ، وأعلاه على من بغاه سوءا من إخوته ، وجمع بينه وبين والديه وإخوته بقدرته ، بعد المدة الطويلة ، وجاء بهم إليه من الشقة النائية البعيدة ، فقال جل ثناؤه للمشركين من قريش من [ ص: 313 ] قوم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لقد كان لكم ، أيها القوم ، في قصصهم عبرة لو اعتبرتم به ، أن الذي فعل ذلك بيوسف وإخوته ، لا يتعذر عليه فعل مثله بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فيخرجه من بين أظهركم ، ثم يظهره عليكم ، ويمكن له في البلاد ، ويؤيده بالجند والرجال من الأتباع والأصحاب ، وإن مرت به شدائد ، وأتت دونه الأيام والليالي والدهور والأزمان .
وكان مجاهد يقول : معنى ذلك : لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته .
ذكر الرواية بذلك :
20038 - حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( لقد كان في قصصهم عبرة ) ، ليوسف وإخوته .
20039 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : عبرة ليوسف وإخوته .
20040 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20041 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد ، قوله : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) ، قال : يوسف وإخوته .
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله مجاهد ، وإن كان له وجه يحتمله التأويل ، فإن الذي قلنا في ذلك أولى به؛ لأن ذلك عقيب الخبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم وعن قومه من المشركين ، وعقيب تهديدهم ووعيدهم على الكفر بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته ، ومع ذلك [ ص: 314 ] أنه خبر عام عن جميع ذوي الألباب ، أن قصصهم لهم عبرة ، وغير مخصوص بعض به دون بعض . فإذا كان الأمر على ما وصفنا في ذلك ، فهو بأن يكون خبرا عن أنه عبرة لغيرهم أشبه . والرواية التي ذكرناها عن مجاهد [ من ] رواية أشبه به أن تكون من قوله؛ لأن ذلك موافق القول الذي قلناه في ذلك . ابن جريج
وقوله : ( ما كان حديثا يفترى ) ، يقول تعالى ذكره : ما كان هذا القول حديثا يختلق ويتكذب ويتخرص ، كما : -
20042 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ما كان حديثا يفترى ) ، و "الفرية " : الكذب .
( ولكن تصديق الذي بين يديه ) ، يقول : ولكنه تصديق الذي بين يديه من كتب الله التي أنزلها قبله على أنبيائه ، كالتوراة والإنجيل والزبور ، يصدق ذلك كله ويشهد عليه أن جميعه حق من عند الله ، كما : -
20043 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ولكن تصديق الذي بين يديه ) ، والفرقان تصديق الكتب التي قبله ، ويشهد عليها .
وقوله : ( وتفصيل كل شيء ) ، يقول تعالى ذكره : وهو أيضا تفصيل كل ما بالعباد إليه حاجة من بيان أمر الله ونهيه ، وحلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته .
وقوله : ( وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) ، يقول تعالى ذكره : وهو بيان أمره ، [ ص: 315 ] ورشاده لمن جهل سبيل الحق فعمي عنه ، إذا اتبعه فاهتدى به من ضلالته ورحمة لمن آمن به وعمل بما فيه ، ينقذه من سخط الله وأليم عذابه ، ويورثه في الآخرة جنانه ، والخلود في النعيم المقيم ( لقوم يؤمنون ) ، يقول : لقوم يصدقون بالقرآن وبما فيه من وعد الله ووعيده ، وأمره ونهيه ، فيعملون بما فيه من أمره ، وينتهون عما فيه من نهيه .
آخر تفسير سورة يوسف
صلى الله عليه وسلم