القول في تأويل إن المتقين في جنات وعيون ( 45 ) قوله تعالى : ( ادخلوها بسلام آمنين ( 46 ) ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ( 47 ) )
يقول تعالى ذكره : إن الذين اتقوا الله بطاعته وخافوه ، فتجنبوا معاصيه في جنات وعيون ، يقال لهم : ( ادخلوها بسلام آمنين ) من عقاب الله ، أو أن تسلبوا نعمة أنعمها الله عليكم ، وكرامة أكرمكم بها . قوله ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) يقول : وأخرجنا ما في صدور هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض .
واختلف أهل التأويل في الحال التي ينزع الله ذلك من صدورهم ، فقال بعضهم : ينزل ذلك بعد دخولهم الجنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثنا إسرائيل ، عن بشر البصري ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي أمامة ، قال : يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من ، حتى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غل ، ثم قرأ ( الشحناء والضغائن ونزعنا ما في صدورهم من غل )
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو فضالة ، عن لقمان ، عن أبي أمامة ، قال : لا يدخل مؤمن الجنة حتى ينزع الله ما في صدورهم من غل ، ثم ينزع منه السبع الضاري .
[ ص: 108 ] حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن إسرائيل ، عن أبي موسى سمع يقول : قال الحسن البصري علي : فينا والله أهل بدر نزلت الآية ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين )
حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) قال : من عداوة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عن محمد بن يزيد الواسطي ، جويبر ، عن الضحاك ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) قال : العداوة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن رجل ، عن علي ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) قال : العداوة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : جاء ابن جرموز قاتل الزبير يستأذن على علي ، فحجبه طويلا ثم أذن له فقال له : أما أهل البلاء فتجفوهم ، قال علي : بفيك التراب ، إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين )
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن جعفر ، عن علي نحوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن أبان بن عبد الله البجلي ، عن نعيم بن أبي هند ، عن بنحوه ، وزاد فيه : قال : فقام إلى ربعي بن حراش ، علي رجل من همدان ، فقال : الله أعدل من ذلك يا أمير المؤمنين ، قال : فصاح علي صيحة ظننت أن القصر تدهده لها ، ثم قال : إذا لم نكن نحن ، فمن هم؟
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا أبو معاوية الضرير ، قال : ثنا أبو مالك الأشجعي ، عن أبي حبيبة مولى لطلحة ، قال : دخل على عمران بن طلحة علي بعد ما فرغ من أصحاب الجمل ، فرحب به وقال : إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله ( إخوانا على سرر متقابلين ) ، ورجلان جالسان على ناحية البساط ، فقالا الله أعدل من ذلك ، تقتلهم بالأمس وتكونون إخوانا؟ فقال [ ص: 109 ] علي : قوما أبعد أرض وأسحقها . فمن هم إذن إن لم أكن أنا وطلحة ؟ وذكر لنا أبو معاوية الحديث بطوله .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا عفان ، قال : ثنا عبد الواحد ، قال : ثنا أبو مالك ، قال : ثنا أبو حبيبة ، قال : قال علي لابن طلحة : إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين نزع الله ما في صدورهم من غل ويجعلنا إخوانا على سرر متقابلين .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا حماد بن خالد الخياط ، عن أبي الجويرية ، قال : ثنا معاوية بن إسحاق ، عن قال : لما نظرني عمران بن طلحة ، علي قال : مرحبا بابن أخي ، فذكر نحوه .
حدثنا الحسن ، قال : ثنا قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، هشام ، عن محمد ، قال : استأذن الأشتر على علي وعنده ابن لطلحة ، فحبسه ، ثم أذن له ، فلما دخل قال : إني لأراك إنما حبستني لهذا ، قال : أجل ، قال : إني لأراه لو كان عندك ابن لعثمان لحبستني ، قال : أجل إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ) .
حدثنا الحسن ، قال : ثنا إسحاق الأزرق ، قال : أخبرنا عوف ، عن سيرين ، بنحوه .
حدثنا الحسن ، قال : ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، قال : ثنا السكن بن المغيرة ، قال : ثنا معاوية بن راشد ، قال : قال علي إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ثنا ابن المتوكل الناجي ، أن حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أبا سعيد الخدري قال فوالذي نفس دخول الجنة محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه [ ص: 110 ] بمنزله الذي كان في الدنيا " . وقال بعضهم : ما يشبه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم . يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا قال : ثنا عفان بن مسلم ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، في هذه الآية ( سعيد بن أبي عروبة ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ) قال : ثنا قتادة أن حدثهم أن أبا المتوكل الناجي حدثهم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه ، إلى قوله "وأذن لهم في دخول الجنة" ثم جعل سائر الكلام عن أبا سعيد الخدري قتادة ، قال : وقال قتادة : فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى بمنزله ، ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث بشر ، غير أن الكلام إلى آخره عن قتادة ، سوى أنه قال في حديثه : قال قتادة وقال بعضهم : ما يشبه بهم إلا أهل الجمعة إذا انصرفوا من الجمعة .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : ثنا عمر بن زرعة ، عن محمد بن إسماعيل الزبيدي ، عن كثير النواء ، قال سمعته يقول : دخلت على فقلت : وليي وليكم ، وسلمي سلمكم ، وعدوي عدوكم ، وحربي حربكم ، إني أسألك بالله ، أتبرأ من أبي جعفر محمد بن علي ، أبي بكر وعمر ، فقال : قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ، تولهما يا كثير ، فما أدركك فهو في رقبتي ، ثم تلا هذه الآية ( إخوانا على سرر متقابلين ) يقول : إخوانا يقابل بعضهم وجه بعض ، لا يستدبره فينظر في قفاه ، وكذلك تأوله أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا حصين ، عن مجاهد ، في قوله ( على سرر متقابلين ) قال : لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى وعبد الرحمن ومؤمل ، قالوا : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . والسرر : جمع سرير ، كما الجدد : جمع جديد ، وجمع سررا ، وأظهر التضعيف فيها ، والراءان متحركتان لخفة الأسماء ، ولا تفعل ذلك في الأفعال لثقل الأفعال ، ولكنهم يدغمون في الفعل ليسكن أحد الحرفين فيخفف ، فإذا دخل على الفعل ما يسكن الثاني أظهروا حينئذ التضعيف .