القول في تأويل قوله تعالى : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق  وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل   ( 85 ) إن ربك هو الخلاق العليم   ( 86 ) ) 
يقول تعالى ذكره : وما خلقنا الخلائق كلها ، سماءها وأرضها ، ما فيهما وما بينهما ، يعني بقوله ( وما بينهما   ) مما في أطباق ذلك ( إلا بالحق   ) يقول : إلا بالعدل والإنصاف ، لا بالظلم والجور ، وإنما يعني تعالى ذكره بذلك : أنه لم يظلم أحدا من الأمم التي اقتص قصصها في هذه السورة ، وقصص إهلاكه إياها بما فعل به من تعجيل النقمة له على كفره به ، فيعذبه ويهلكه بغير استحقاق ، لأنه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما بالظلم والجور ، ولكنه خلق ذلك بالحق والعدل . وقوله : ( وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل   ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد  صلى الله عليه وسلم : وإن الساعة ، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة لجائية ، فارض بها لمشركي قومك الذين كذبوك ، وردوا عليك ما جئتهم به من الحق ، ( فاصفح الصفح الجميل   ) يقول : فأعرض عنهم إعراضا جميلا واعف عنهم  [ ص: 128 ] عفوا حسنا وقوله : ( إن ربك هو الخلاق العليم   ) يقول تعالى ذكره : إن ربك هو الذي خلقهم وخلق كل شيء ، وهو عالم بهم وبتدبيرهم ، وما يأتون من الأفعال ، وكان جماعة من أهل التأويل تقول : هذه الآية منسوخة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله ( فاصفح الصفح الجميل   ) ثم نسخ ذلك بعد ، فأمره الله تعالى ذكره بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا  عبده ورسوله ، لا يقبل منهم غيره  . 
حدثني المثنى ،  قال : ثنا سويد بن نصر ،  قال : أخبرنا ابن المبارك  ، عن جويبر ،  عن الضحاك ،  في قوله ( فاصفح الصفح الجميل   ) ، ( فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون   ) ( وأعرض عن المشركين   ) و ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله   ) وهذا النحو كله في القرآن أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك منه ، حتى أمره بالقتال ، فنسخ ذلك كله . فقال ( وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد   )  . 
حدثنا ابن وكيع ،  قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ،  عن جابر ،  عن مجاهد   ( فاصفح الصفح الجميل   ) قال : هذا قبل القتال  . 
حدثني المثنى ،  قال : أخبرنا إسحاق ،  قال : ثنا عبد الله بن الزبير ،  عن سفيان بن عيينة ،  في قوله : ( فاصفح الصفح الجميل   ) وقوله : ( وأعرض عن المشركين   ) قال : كان هذا قبل أن ينزل الجهاد . فلما أمر بالجهاد قاتلهم فقال : " أنا نبي الرحمة ونبي الملحمة ، وبعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة  " . 
				
						
						
