القول في إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ( 90 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره : إن الله يأمر في هذا الكتاب الذي أنزله إليك يا محمد بالعدل ، وهو الإنصاف ، ومن الإنصاف : الإقرار بمن أنعم علينا بنعمته ، والشكر له على إفضاله ، وتولي الحمد أهله . وإذا كان ذلك هو العدل ، ولم يكن للأوثان والأصنام عندنا يد تستحق الحمد عليها ، كان جهلا بنا حمدها وعبادتها ، وهي لا تنعم فتشكر ، ولا تنفع فتعبد ، فلزمنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولذلك قال من قال : العدل في هذا الموضع شهادة أن لا إله إلا الله .
ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، وعلي بن داود ، قالا ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) قال : شهادة أن لا إله إلا الله وقوله ( والإحسان ) ، فإن الإحسان الذي أمر به تعالى ذكره مع العدل الذي وصفنا صفته : الصبر لله على طاعته فيما أمر ونهى ، في الشدة والرخاء ، والمكره والمنشط ، وذلك هو أداء فرائضه .
كما حدثني المثنى ، وعلي بن داود ، قالا ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( والإحسان ) يقول : أداء الفرائض .
وقوله : ( وإيتاء ذي القربى ) يقول : وإعطاء ذي القربى الحق الذي أوجبه الله عليك بسبب القرابة والرحم .
كما حدثني المثنى وعلي ، قالا ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( وإيتاء ذي القربى ) يقول : الأرحام .
وقوله : ( وينهى عن الفحشاء ) قال : الفحشاء في هذا الموضع : الزنا .
[ ص: 280 ] ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، وعلي بن داود ، قالا ثنا عبد الله بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس ( وينهى عن الفحشاء ) يقول : الزنا . وقد بينا معنى الفحشاء بشواهده فيما مضى قبل .
وقوله : ( والبغي ) قيل : عنى بالبغي في هذا الموضع : الكبر والظلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، وعلي بن داود ، قالا ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( والبغي ) يقول : الكبر والظلم . وأصل البغي : التعدي ومجاوزة القدر والحد من كل شيء . وقد بينا ذلك فيما مضى قبل .
وقوله : ( يعظكم لعلكم تذكرون ) يقول : يذكركم أيها الناس ربكم لتذكروا فتنيبوا إلى أمره ونهيه ، وتعرفوا الحق لأهله .
كما حدثني المثنى وعلي بن داود ، قالا ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( يعظكم ) يقول : يوصيكم ( لعلكم تذكرون ) .
وقد ذكر عن ابن عيينة أنه كان يقول في تأويل ذلك : إن معنى العدل في هذا الموضع استواء السريرة والعلانية من كل عامل لله عملا وإن معنى ( الإحسان ) : أن تكون سريرته أحسن من علانيته ، وإن الفحشاء والمنكر أن تكون علانيته أحسن من سريرته .
وذكر عن أنه كان يقول في هذه الآية ، ما حدثني عبد الله بن مسعود المثنى ، قال : ثنا الحجاج ، قال : ثنا معتمر بن سليمان ، قال : سمعت منصور بن النعمان ، عن عامر ، عن شتير بن شكل ، قال : سمعت عبد الله يقول : إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ) . . . إلى آخر الآية .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن الشعبي ، عن ستير بن شكل ، قال : سمعت عبد الله يقول : إن أجمع آية في القرآن لخير أو لشر ، آية في سورة النحل ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) . . . . الآية .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ) . . . الآية ، إنه ليس من خلق [ ص: 281 ] حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به ، وليس من خلق سيئ كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه . وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها .