القول في قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ( 18 ) تأويل قوله تعالى : ( قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ( 19 ) )
يقول تعالى ذكره : فخافت مريم رسولنا ، إذ تمثل لها بشرا سويا ، وظنته رجلا يريدها على نفسها . [ ص: 164 ]
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قوله ( ابن جريج ، إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) قال : خشيت أن يكون إنما يريدها على نفسها .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي فتمثل لها بشرا سويا ) فلما رأته فزعت منه وقالت : ( إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) فقالت : إني أعوذ أيها الرجل بالرحمن منك ، تقول : أستجير بالرحمن منك أن تنال مني ما حرمه عليك إن كنت ذا تقوى له تتقي محارمه ، وتجتنب معاصيه; لأن من كان لله تقيا ، فإنه يجتنب ذلك . ولو وجه ذلك إلى أنها عنت : إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تتقي الله في استجارتي واستعاذتي به منك كان وجها .
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن ( وهب بن منبه قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) ولا ترى إلا أنه رجل من بني آدم .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو بكر ، عن عاصم ، قال : قال ابن زيد : وذكر قصص مريم فقال : قد علمت أن التقي ذو نهية حين قالت ( إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك ) . يقول تعالى ذكره : فقال لها روحنا : إنما أنا رسول ربك يا مريم أرسلني إليك ( لأهب لك غلاما زكيا )
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق غير أبي عمرو ( لأهب لك ) بمعنى : إنما أنا رسول ربك : يقول : أرسلني إليك لأهب لك ( غلاما زكيا ) على الحكاية ، وقرأ ذلك أبو عمرو بن العلاء "ليهب لك غلاما زكيا" بمعنى : إنما أنا رسول ربك أرسلني إليك ليهب الله لك غلاما زكيا .
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ، ما عليه قراء الأمصار ، وهو ( لأهب لك ) بالألف دون الياء ، لأن ذلك كذلك في مصاحف المسلمين ، وعليه قراءة قديمهم وحديثهم ، غير أبي عمرو ، وغير جائز خلافهم فيما أجمعوا عليه ، ولا سائغ لأحد خلاف مصاحفهم ، والغلام الزكي : هو الطاهر من الذنوب وكذلك تقول العرب : غلام زاك وزكي ، وعال وعلي .