القول في تأويل قوله تعالى : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون    ( 39 ) ) 
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد  صلى الله عليه وسلم : وأنذر يا محمد  هؤلاء المشركين بالله يوم حسرتهم وندمهم ، على ما فرطوا في جنب الله ، وأورثت مساكنهم من الجنة أهل الإيمان بالله والطاعة له ، وأدخلوهم مساكن أهل الإيمان بالله من النار ، وأيقن الفريقان بالخلود الدائم ، والحياة التي لا موت بعدها ، فيا لها حسرة وندامة . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا  محمد بن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ،  قال : ثنا سفيان ،  عن سلمة بن كهيل ،  قال : ثنا أبو الزعراء ،  عن عبد الله  في قصة ذكرها ، قال : " ما من نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة ، وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة ، فيرى أهل النار البيت الذي كان قد أعده الله لهم لو آمنوا ، فيقال لهم : لو آمنتم وعملتم صالحا كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة ، فتأخذهم الحسرة ، ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار ، فيقال : لولا أن من الله عليكم" . 
حدثنا أبو السائب ،  قال : ثنا معاوية ،  عن الأعمش ،  عن أبي صالح ،  عن أبي سعيد ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "يجاء بالموت يوم القيامة فيوقف بين الجنة والنار كأنه كبش أملح ، قال : فيقال : يا أهل الجنة هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، فيقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، ثم  [ ص: 201 ] يؤمر به فيذبح ، قال : فيقول : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ، قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون   ) وأشار بيده في الدنيا  " . 
حدثني عبيد بن أسباط بن محمد ،  قال : ثنا أبي ، عن الأعمش ،  عن أبي صالح ،  عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ( وأنذرهم يوم الحسرة   ) قال : "ينادى : يا أهل الجنة ، فيشرئبون ، فينظرون ، ثم ينادى : يا أهل النار فيشرئبون فينظرون ، فيقال : هل تعرفون الموت ؟ قال : فيقولون : لا قال : فيجاء بالموت في صورة كبش أملح ، فيقال : هذا الموت ، ثم يؤخذ فيذبح ، قال : ثم ينادي يا أهل النار خلود فلا موت ، ويا أهل الجنة خلود فلا موت" ، قال : ثم قرأ ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر   )  . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  قال : قال ابن عباس ،  في قوله ( وأنذرهم يوم الحسرة   ) قال : يصور الله الموت في صورة كبش أملح ، فيذبح ، قال : فييأس أهل النار من الموت ، فلا يرجونه ، فتأخذهم الحسرة من أجل الخلود في النار ، وفيها أيضا الفزع الأكبر ، ويأمل أهل الجنة الموت ، فلا يخشونه ، وأمنوا الموت ، وهو الفزع الأكبر ، لأنهم يخلدون في الجنة ، قال  ابن جريج   : يحشر أهل النار حين يذبح الموت والفريقان ينظرون ، فذلك قوله ( إذ قضي الأمر   ) قال : ذبح الموت ( وهم في غفلة   )  . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن أبيه أنه أخبره أنه سمع  عبيد بن عمير  في قصصه يقول : يؤتى بالموت كأنه دابة ، فيذبح والناس ينظرون  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله ( وأنذرهم يوم الحسرة   ) قال : يوم القيامة ، وقرأ ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله   )  . 
حدثني علي ،  قال : ثنا عبد الله ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله ( وأنذرهم يوم الحسرة   ) من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذره عباده . وقوله ( إذ قضي الأمر   ) يقول : إذ فرغ من الحكم لأهل النار  [ ص: 202 ] بالخلود فيها ، ولأهل الجنة بمقام الأبد فيها ، بذبح الموت . 
وقوله ( وهم في غفلة   ) يقول : وهؤلاء المشركون في غفلة عما الله فاعل بهم يوم يأتونه خارجين إليه من قبورهم ، من تخليده إياهم في جهنم ، وتوريثه مساكنهم من الجنة غيرهم ( وهم لا يؤمنون   ) يقول تعالى ذكره : وهم لا يصدقون بالقيامة والبعث ، ومجازاة الله إياهم على سيئ أعمالهم ، بما أخبر أنه مجازيهم به . 
				
						
						
