يقول تعالى ذكره : فلما أتى النار موسى ، ناداه ربه ( يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك ) . [ ص: 278 ]
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن قال : خرج موسى نحوها ، يعني نحو النار ، فإذا هي في شجر من العليق ، وبعض أهل الكتاب يقول في عوسجة ، فلما دنا استأخرت عنه ، فلما رأى استئخارها رجع عنها ، وأوجس في نفسه منها خيفة; فلما أراد الرجعة ، دنت منه ثم كلم من الشجرة ، فلما سمع الصوت استأنس ، وقال الله تبارك وتعالى ( وهب بن منبه ، يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) فخلعها فألفاها .
واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله أمر الله موسى بخلع نعليه ، فقال بعضهم : أمره بذلك ، لأنهما كانتا من جلد حمار ميت ، فكره أن يطأ بهما الوادي المقدس ، وأراد أن يمسه من بركة الوادي .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي قلابة ، عن كعب ، أنه رآهم يخلعون نعالهم ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) فقال : كانت من جلد حمار ميت ، فأراد الله أن يمسه القدس .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح ، الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، في قوله ( فاخلع نعليك ) قال : كانتا من جلد حمار ميت .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعد ، عن قتادة ، قال : حدثنا ، أن نعليه كانتا من جلد حمار ، فخلعهما ثم أتاه .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( فاخلع نعليك ) قال : كانتا من جلد حمار ، فقيل له اخلعهما .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن . قال : وأخبرني ابن جريج عمر بن عطاء عن عكرمة وأبو سفيان ، عن معمر ، عن جابر الجعفي ، عن ( علي بن أبي طالب فاخلع نعليك ) قال : كانتا من جلد حمار ، فقيل له اخلعهما . قال : وقال قتادة مثل ذلك .
وقال آخرون : كانتا من جلد بقر ، ولكن الله أراد أن يطأ موسى الأرض بقدميه ، ليصل إليه بركتها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني [ ص: 279 ] حجاج ، قال : قال قال ابن جريج ، الحسن : كانتا ، يعني نعلي موسى من بقر ، ولكن إنما أراد الله أن يباشر بقدميه بركة الأرض ، وكان قد قدس مرتين . قال : وقيل ابن جريج لمجاهد : زعموا أن نعليه كانتا من جلد حمار أو ميتة ، قال : لا ولكنه أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض .
حدثني يعقوب ، قال : قال أبو بشر ، يعني سمعت ابن علية ، ابن أبي نجيح ، يقول في قوله : ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : يقول : أفض بقدميك إلى بركة الوادي .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : أمره الله تعالى ذكره بخلع نعليه ليباشر بقدميه بركة الوادي ، إذ كان واديا مقدسا .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لأنه لا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه أمر بخلعهما من أجل أنهما من جلد حمار ولا لنجاستهما ، ولا خبر بذلك عمن يلزم بقوله الحجة ، وإن في قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) بعقبه دليلا واضحا ، على أنه إنما أمره بخلعهما لما ذكرنا .
ولو كان الخبر الذي حدثنا به بشر قال : ثنا خلف بن خليفة عن حميد بن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " صحيحا لم نعده إلى غيره ، ولكن في إسناده نظر يجب التثبت فيه . "يوم كلم الله موسى ، كانت عليه جبة صوف وكساء صوف ، و سراويل صوف ، ونعلان من جلد حمار غير مذكى
واختلفت القراء في قراءة قوله ( إني أنا ربك ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة والبصرة " نودي يا موسى أني " بفتح الألف من "أني" ، فأن على قراءتهم في موضع رفع بقوله : نودي ، فإن معناه : كان عندهم نودي هذا القول ، وقرأه بعض عامة قراء المدينة والكوفة بالكسر : نودي يا موسى إني ، على الابتداء ، وأن معنى ذلك قيل : يا موسى إني .
قال أبو جعفر : والكسر أولى القراءتين عندنا بالصواب ، وذلك أن النداء قد حال بينه وبين العمل في أن قوله " يا موسى " ، وحظ قوله "نودي" أن يعمل في أن لو كانت قبل قوله " يا موسى " ، وذلك أن يقال : نودي أن يا موسى إني أنا ربك ، [ ص: 280 ] ولا حظ لها في "إن" التي بعد موسى .
وأما قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) فإنه يقول : إنك بالوادي المطهر المبارك .
كما حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) يقول : المبارك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ، مجاهد ، قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : قدس بورك مرتين .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : بالوادي المبارك .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( طوى ) فقال بعضهم : معناه : إنك بالوادي المقدس طويته ، فعلى هذا القول من قولهم طوى مصدر خرج من غير لفظه ، كأنه قال : طويت الوادي المقدس طوى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) يعني الأرض المقدسة ، وذلك أنه مر بواديها ليلا فطواه ، يقال : طويت وادي كذا وكذا طوى من الليل ، وارتفع إلى أعلى الوادي ، وذلك نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : مرتين ، وقال : ناداه ربه مرتين; فعلى قول هؤلاء طوى مصدر أيضا من غير لفظه ، وذلك أن معناه عندهم : نودي يا موسى مرتين نداءين ، وكان بعضهم ينشد شاهدا لقوله طوى ، أنه بمعنى مرتين ، قول : عدي بن زيد العبادي
أعاذل إن اللوم في غير كنهه علي طوى من غيك المتردد
[ ص: 281 ]وروى ذلك آخرون : "علي ثنى" : أي مرة بعد أخرى ، وقالوا : طوى وثنى بمعنى واحد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) كنا نحدث أنه واد قدس مرتين ، وأن اسمه طوى .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه قدس طوى : مرتين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال قال ابن جريج ، الحسن : كان قد قدس مرتين .
وقال آخرون : بل طوى : اسم الوادي .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن داود ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( طوى ) : اسم للوادي .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : طوى : قال : اسم الوادي .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( بالوادي المقدس طوى ) قال : ذاك الوادي هو طوى ، حيث كان موسى ، وحيث كان إليه من الله ما كان ، قال : وهو نحو الطور .
وقال آخرون : بل هو أمر من الله لموسى أن يطأ الوادي بقدميه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن منصور الطوسي ، صالح بن إسحاق ، عن جعفر بن برقان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قول الله تبارك وتعالى ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : طأ الوادي .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا الحسن ، عن يزيد ، عن عكرمة ، في قوله ( طوى ) قال : طأ الوادي .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن [ ص: 282 ] سعيد بن جبير ، في قول الله ( طوى ) قال : طأ الأرض حافيا ، كما تدخل الكعبة حافيا ، يقول : من بركة الوادي .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ( طوى ) طأ الأرض حافيا .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قراء المدينة ( طوى ) بضم الطاء وترك التنوين ، كأنهم جعلوه اسم الأرض التي بها الوادي ، كما قال الشاعر :
نصروا نبيهم وشدوا أزره بحنين حين تواكل الأبطال
فلم يجر حنين ، لأنه جعله اسما للبلدة لا للوادي : ولو كان جعله اسما للوادي لأجراه كما قرأت القراء ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) وكما قال الآخر :
ألسنا أكرم الثقلين رحلا وأعظمهم ببطن حراء نارا
فلم يجر حراء ، وهو جبل ، لأنه حمله اسما للبلدة ، فكذلك طوى" في قراءة من لم يجره جعله اسما للأرض . وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة : ( طوى ) بضم الطاء والتنوين; وقارئو ذلك كذلك مختلفون في معناه على ما قد ذكرت من اختلاف أهل التأويل; فأما من أراد به المصدر من طويت ، فلا مؤنة في تنوينه ، وأما من أراد أن يجعله اسما للوادي ، فإنه إنما ينونه لأنه اسم ذكر لا مؤنث ، وأن لام الفعل منه ياء ، فزاده ذلك خفة فأجراه كما قال الله ( ويوم حنين ) إذ كان حنين اسم واد ، والوادي مذكر .
قال أبو جعفر : وأولى القولين عندي بالصواب قراءة من قرأه بضم الطاء والتنوين ، لأنه إن يكن اسما للوادي فحظه التنوين لما ذكر قبل من العلة لمن قال ذلك ، وإن كان مصدرا أو مفسرا ، فكذلك أيضا حكمه التنوين ، وهو عندي اسم الوادي . وإذ كان ذلك كذلك ، فهو في موضع خفض ردا على الوادي . [ ص: 283 ]