قال أبو جعفر محمد بن جرير : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( طه ) فقال بعضهم : معناه يا رجل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا أبو تميلة ، عن الحسن بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : طه : بالنبطية : يا رجل .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) فإن قومه قالوا : لقد شقي هذا الرجل بربه ، فأنزل الله تعالى ذكره ( طه ) يعني : يا رجل ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : أخبرني ابن جريج ، عبد الله بن مسلم ، أو يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير أنه قال : طه : يا رجل بالسريانية .
قال : وأخبرني ابن جريج زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، بذلك أيضا . قال وقال ابن جريج ، مجاهد ، ذلك أيضا .
حدثنا عمران بن موسى القزاز ، قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : ثنا عمارة عن عكرمة ، في قوله ( طه ) قال : يا رجل ، كلمه بالنبطية .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح ، عبد الله ، عن عكرمة ، في قوله ( طه ) قال : بالنبطية : يا إنسان .
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، أبو عاصم ، عن قرة بن خالد ، عن الضحاك ، في قوله ( طه ) قال : يا رجل بالنبطية .
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن [ ص: 268 ] حصين ، عن عكرمة في قوله ( طه ) قال : يا رجل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( طه ) قال : يا رجل ، وهي بالسريانية .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والحسن في قوله ( طه ) قالا يا رجل .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، يعني ابن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( طه ) قال : يا رجل .
وقال آخرون : هو اسم من أسماء الله ، وقسم أقسم الله به .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله ( طه ) قال : فإنه قسم أقسم الله به ، وهو اسم من أسماء الله .
وقال آخرون : هو حروف هجاء .
وقال آخرون : هو حروف مقطعة يدل كل حرف منها على معنى ، واختلفوا في ذلك اختلافهم في "ألم" .
وقد ذكرنا ذلك في مواضعه ، وبينا ذلك بشواهده .
والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه قول من قال : معناه : يا رجل ، لأنها كلمة معروفة في عك فيما بلغني ، وأن معناها فيهم : يا رجل ، أنشدت لمتمم بن نويرة :
هتفت بطه في القتال فلم يجب فخفت عليه أن يكون موائلا
وقال آخر : [ ص: 2 ]
إن السفاهة طه من خلائقكم لا بارك الله في القوم الملاعين
فإذا كان ذلك معروفا فيهم على ما ذكرنا ، فالواجب أن يوجه تأويله إلى المعروف فيهم من معناه ، ولا سيما إذا وافق ذلك تأويل أهل العلم من الصحابة والتابعين .
فتأويل الكلام إذن : يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، ما أنزلناه عليك فنكلفك ما لا طاقة لك به من العمل ، وذكر أنه قيل له ذلك بسبب ما كان يلقى من النصب والعناء والسهر في قيام الليل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) قال : هي مثل قوله ( فاقرءوا ما تيسر منه ) فكانوا يعلقون الحبال في صدورهم في الصلاة .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) قال : في الصلاة كقوله : ( فاقرءوا ما تيسر منه ) فكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) لا والله ما جعله الله شقيا ، ولكن جعله رحمة ونورا ، ودليلا إلى الجنة .
وقوله ( إلا تذكرة لمن يخشى ) يقول تعالى ذكره : ما أنزلنا عليك هذا القرآن إلا تذكرة لمن يخشى عقاب الله ، فيتقيه بأداء فرائض ربه واجتناب محارمه .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( إلا تذكرة لمن يخشى ) وإن الله أنزل كتبه ، وبعث رسله رحمة رحم الله بها العباد ، ليتذكر ذاكر ، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله ، وهو ذكر له أنزل الله فيه حلاله وحرامه ، فقال ( تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا ) . [ ص: 270 ]
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( إلا تذكرة لمن يخشى ) قال : الذي أنزلناه عليك تذكرة لمن يخشى .
فمعنى الكلام إذن : يا رجل ما أنزلنا عليك هذا القرآن لتشقى به ، ما أنزلناه إلا تذكرة لمن يخشى .
وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب تذكرة ، فكان بعض نحويي البصرة يقول : قال : إلا تذكرة بدلا من قوله لتشقى ، فجعله : ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة ، وكان بعض نحويي الكوفة يقول : نصبت على قوله : ما أنزلناه إلا تذكرة ، وكان بعضهم ينكر قول القائل : نصبت بدلا من قوله ( لتشقى ) ويقول : ذلك غير جائز ، لأن ( لتشقى ) في الجحد ، و ( إلا تذكرة ) في التحقيق ، ولكنه تكرير ، وكان بعضهم يقول : معنى الكلام : ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى ، لا لتشقى .