يقول تعالى ذكره : قال فرعون لما أريناه آياتنا كلها لرسولنا موسى : أجئتنا يا موسى لتخرجنا من منازلنا ودورنا بسحرك هذا الذي جئتنا به ( فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا ) لا نتعداه ، لنجيء بسحر مثل الذي جئت به ، فننظر أينا يغلب صاحبه ، لا نخلف ذلك الموعد ( نحن ولا أنت مكانا سوى ) يقول : بمكان عدل بيننا وبينك ونصف .
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين " مكانا سوى " بكسر السين ، وقرأته عامة قراء الكوفة ( مكانا سوى ) بضمها .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما لغتان ، أعني الكسر والضم في السين من " سوى " مشهورتان في العرب ، وقد قرأت بكل واحدة منهما علماء من القراء ، مع اتفاق معنييهما ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وللعرب في ذلك إذا كان بمعنى العدل ، والنصف لغة هي أشهر من الكسر والضم وهو الفتح ، كما قال جل ثناؤه ( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) وإذا فتح السين منه مد ، وإذا كسرت أو ضمت قصر ، كما قال الشاعر :
فإن أبانا كان حل ببلدة سوى بين قيس قيس عيلان والفزر
[ ص: 323 ] ونظير ذلك من الأسماء : طوى ، وطوى ، وثنى وثنى ، وعدى وعدى .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ( مكانا سوى ) قال : منصفا بينهم .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد بنحوه .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ( مكانا سوى ) : أي عادلا بيننا وبينك .
حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله ( مكانا سوى ) قال : نصفا بيننا وبينك .
حدثنا موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن في قوله ( السدي فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ) قال : يقول : عدلا .
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( مكانا سوى ) قال : مكانا مستويا يتبين للناس ما فيه ، لا يكون صوب ولا شيء فيغيب بعض ذلك عن بعض مستو حين يرى .