وفي هذا الكلام متروك قد استغنى بدلالة ما ترك عليه وهو : فألقى موسى عصاه ، فتلقفت ما صنعوا ( فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى ) وذكر أن موسى لما ألقى ما في يده تحول ثعبانا ، فالتقم كل ما كانت السحرة ألقته من الحبال والعصي .
ذكر الرواية عمن قال ذلك : حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد قال : لما اجتمعوا وألقوا ما في أيديهم من السحر ، ( يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ، قال : فتحت فما لها مثل الدحل ، ثم وضعت مشفرها على الأرض ورفعت الآخر ، ثم استوعبت كل شيء ألقوه من السحر ، ثم جاء إليها فقبض عليها ، فإذا هي عصا ، فخر السحرة سجدا ( قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ) قال : فكان أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون ( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) قال : فكان أول من صلب في جذوع النخل فرعون .
حدثنا موسى بن هارون قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن ( السدي فأوجس في نفسه خيفة موسى ) فأوحى الله إليه ( لا تخف وألق ما في يمينك تلقف ما يأفكون ) فألقى عصاه فأكلت كل حية لهم ، فلما رأوا ذلك سجدوا ( قالوا آمنا برب هارون وموسى ) .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : حدثت عن [ ص: 339 ] ( وهب بن منبه فأوجس في نفسه خيفة موسى ) لما رأى ما ألقوا من الحبال والعصي وخيل إليه أنها تسعى ، وقال : والله إن كانت لعصيا في أيديهم ، ولقد عادت حيات ، وما تعدو عصاي هذه ، أو كما حدث نفسه ، فأوحى الله إليه أن ( وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ) وفرح موسى فألقى عصاه من يده ، فاستعرضت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم ، وهي حيات في عين فرعون وأعين الناس تسعى ، فجعلت تلقفها ، تبتلعها حية حية ، حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت ، ووقع السحرة سجدا ، قالوا : آمنا برب هارون وموسى ، لو كان هذا سحر ما غلبنا .
وقوله ( قال آمنتم له قبل أن آذن لكم ) يقول جل ثناؤه : وقال فرعون للسحرة : أصدقتم وأقررتم لموسى بما دعاكم إليه من قبل أن أطلق ذلك لكم ( إنه لكبيركم ) يقول : إن موسى لعظيمكم ( الذي علمكم السحر ) .
كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : حدثت عن قال : لما قالت السحرة ( وهب بن منبه آمنا برب هارون وموسى ) قال لهم فرعون وأسف ورأى الغلبة والبينة : ( آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ) : أي لعظيم السحار الذي علمكم .
وقوله : ( فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ) يقول : فلأقطعن أيديكم وأرجلكم مخالفا بين قطع ذلك ، وذلك أن يقطع يمنى اليدين ويسرى الرجلين ، أو يسرى اليدين ، ويمنى الرجلين ، فيكون ذلك قطعا من خلاف ، وكان فيما ذكر أول من فعل ذلك فرعون وقد ذكرنا الرواية بذلك . وقوله ( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) يقول : ولأصلبنكم على جذوع النخل ، كما قال الشاعر :
هم صلبوا العبدي في جذع نخلة فلا عطست شيبان إلا بأجدعا
[ ص: 340 ] يعني على جذع نخلة ، وإنما قيل : " في جذوع " ، لأن المصلوب على الخشبة يرفع في طولها ، ثم يصير عليها ، فيقال : صلب عليها .حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) لما رأى السحرة ما جاء به عرفوا أنه من الله فخروا سجدا ، وآمنوا عند ذلك ، قال عدو الله ( فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ) . . . الآية .
حدثنا موسى بن هارون قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن قال السدي فرعون : ( فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ) فقتلهم وقطعهم ، كما قال حين قالوا ( عبد الله بن عباس ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ) وقال : كانوا في أول النهار سحرة ، وفي آخر النهار شهداء .
وقوله ( ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ) يقول : ولتعلمن أيها السحرة أينا أشد عذابا لكم ، وأدوم ، أنا أو موسى .