يقول تعالى ذكره ( ولقد أوحينا إلى ) نبينا ( موسى ) إذ تابعنا له الحجج على فرعون فأبى أن يستجيب لأمر ربه ، وطغى وتمادى في طغيانه ( أن أسر ) ليلا ( بعبادي ) يعني بعبادي من بني إسرائيل .
( فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا ) يقول : فاتخذ لهم في البحر طريقا يابسا ، واليبس واليبس : يجمع " أيباس " ، تقول : وقفوا في أيباس من الأرض ، واليبس المخفف يجمع " يبوس " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله ( يبسا ) قال : يابسا .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد مثله .
وأما قوله ( لا تخاف دركا ولا تخشى ) فإنه يعني : لا تخاف من فرعون وجنوده أن يدركوك من ورائك ، ولا تخشى غرقا من بين يديك ووحلا .
[ ص: 344 ] وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله ( لا تخاف دركا ولا تخشى ) يقول : ( لا تخاف ) من آل فرعون ( دركا ولا تخشى ) من البحر غرقا .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ( لا تخاف دركا ولا تخشى ) يقول : لا تخاف أن يدركك فرعون من بعدك ولا تخشى الغرق أمامك .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج قال : قال : قال ابن جريج أصحاب موسى : هذا فرعون قد أدركنا ، وهذا البحر قد غشينا ، فأنزل الله ( لا تخاف دركا ) أصحاب فرعون ( ولا تخشى ) من البحر وحلا .
حدثني أحمد بن الوليد الرملي قال : ثنا قال : ثنا عمرو بن عون هشيم عن بعض أصحابه ، في قوله ( لا تخاف دركا ولا تخشى ) قال : الوحل .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( لا تخاف دركا ) فقرأته عامة قراء الأمصار غير الأعمش وحمزة : ( لا تخاف دركا ) على الاستئناف بلا كما قال : ( واصطبر عليها لا نسألك رزقا ) فرفع ، وأكثر ما جاء في هذا الأمر الجواب مع " لا " . وقرأ ذلك الأعمش وحمزة ( لا تخف دركا ) فجزما لا تخاف على الجزاء ، ورفعا ( ولا تخشى ) على الاستئناف ، كما قال جل ثناؤه ( يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ) فاستأنف ب " ثم " ، ولو نوى بقوله : ( ولا تخشى ) الجزم ، وفيه الياء ، كان جائزا ، كما قال الراجز :
هزي إليك الجذع يجنيك الجنى
وأعجب القراءتين إلي أن أقرأ بها ( لا تخاف ) على وجه الرفع ، لأن ذلك أفصح اللغتين ، وإن كانت الأخرى جائزة ، وكان بعض نحويي البصرة يقول : معنى قوله ( لا تخاف دركا ) اضرب لهم طريقا لا تخاف فيه دركا ، قال : وحذف فيه ، كما تقول : زيد أكرمت ، وأنت تريد أكرمته ، وكما تقول ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) أي لا تجزى فيه ، وأما نحويو الكوفة فإنهم [ ص: 345 ] ينكرون حذف فيه إلا في المواقيت ، لأنه يصلح فيها أن يقال : قمت اليوم وفي اليوم ، ولا يجيزون ذلك في الأسماء .