القول في قال فما خطبك يا سامري ( 95 ) تأويل قوله تعالى : ( قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ( 96 ) ) [ ص: 361 ] يعني تعالى ذكره بقوله ( فما خطبك يا سامري ) قال موسى للسامري : فما شأنك يا سامري وما الذي دعاك إلى ما فعلته . كما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فما خطبك يا سامري ) قال : ما أمرك ؟ ما شأنك ؟ ما هذا الذي أدخلك فيما دخلت فيه .
حدثنا موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن ( السدي قال فما خطبك يا سامري ) قال : ما لك يا سامري ؟
وقوله ( بصرت بما لم يبصروا به ) يقول : قال السامري : علمت ما لم يعلموه ، وهو فعلت من البصيرة : أي صرت بما عملت بصيرا عالما .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن قال : لما قتل ابن جريج فرعون الولدان قالت أم السامري : لو نحيته عني حتى لا أراه ، ولا أدري قتله ، فجعلته في غار ، فأتى جبرائيل فجعل كف نفسه في فيه ، فجعل يرضعه العسل واللبن ، فلم يزل يختلف إليه حتى عرفه ، فمن ثم معرفته إياه حين قال : ( فقبضت قبضة من أثر الرسول ) .
وقال آخرون : هي بمعنى : أبصرت ما لم يبصروه ، وقالوا : يقال : بصرت بالشيء وأبصرته ، كما يقال : أسرعت وسرعت ما شئت .
ذكر من قال : هو بمعنى أبصرت : حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ( قال بصرت بما لم يبصروا به ) يعني فرس جبرائيل عليه السلام .
وقوله ( فقبضت قبضة من أثر الرسول ) يقول : قبضت قبضة من أثر حافر فرس جبرائيل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : ثني محمد بن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما قذفت بنو إسرائيل ما كان معهم من زينة آل فرعون في النار ، وتكسرت ، ورأى السامري أثر فرس جبرائيل عليه السلام ، فأخذ ترابا من أثر حافره ، ثم [ ص: 362 ] أقبل إلى النار فقذفه فيها ، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ، فكان للبلاء والفتنة .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : قبض قبضة من أثر جبرائيل ، فألقى القبضة على حليهم فصار عجلا جسدا له خوار ، فقال : هذا إلهكم وإله موسى .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : ( فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها ) قال : من تحت حافر فرس جبرائيل ، نبذه السامري على حلية بني إسرائيل فانسبك عجلا جسدا له خوار ، حفيف الريح فيه فهو خواره ، والعجل : ولد البقرة .
واختلف القراء في قراءة هذين الحرفين ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة ( بصرت بما لم يبصروا به ) بالياء ، بمعنى : قال السامري بصرت بما لم يبصر به بنو إسرائيل . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة ( بصرت بما لم تبصروا به ) بالتاء على وجه المخاطبة لموسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، بمعنى : قال السامري لموسى : بصرت بما لم تبصر به أنت وأصحابك .
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء مع صحة معنى كل واحدة منهما ، وذلك أنه جائز أن يكون السامري رأى جبرائيل ، فكان عنده ما كان بأن حدثته نفسه بذلك أو بغير ذلك من الأسباب أن تراب حافر فرسه الذي كان عليه يصلح لما حدث عنه حين نبذه في جوف العجل ، ولم يكن علم ذلك عند موسى ، ولا عند أصحابه من بني إسرائيل فلذلك قال لموسى ( بصرت بما لم تبصروا به ) أي علمت بما لم تعلموا به . وأما إذا قرئ ( بصرت بما لم يبصروا به ) بالياء ، فلا مؤنة فيه ، لأنه معلوم أن بني إسرائيل لم يعلموا ما الذي يصلح له ذلك التراب .
وأما قوله ( فقبضت قبضة من أثر الرسول ) فإن قراء الأمصار على قراءته بالضاد ، بمعنى : فأخذت بكفي ترابا من تراب أثر فرس الرسول .
وروي عن الحسن البصري وقتادة ما حدثني أحمد بن يوسف قال : [ ص: 363 ] ثنا القاسم قال : ثنا هشيم عن عباد بن عوف عن الحسن أنه قرأها ( فقبصت قبصة ) بالصاد .
وحدثني أحمد بن يوسف قال : ثنا القاسم قال : ثنا هشيم عن عباد عن قتادة مثل ذلك بالصاد بمعنى : أخذت بأصابعي من تراب أثر فرس الرسول ، والقبضة عند العرب : الأخذ بالكف كلها ، والقبصة : الأخذ بأطراف الأصابع .
وقوله ( فنبذتها ) يقول : فألقيتها ( وكذلك سولت لي نفسي ) يقول : وكما فعلت من إلقائي القبضة التي قبضت من أثر الفرس على الحلية التي أوقد عليها حتى انسبكت فصارت عجلا جسدا له خوار ، ( سولت لي نفسي ) يقول : زينت لي نفسي أن يكون ذلك كذلك .
كما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ( وكذلك سولت لي نفسي ) قال : كذلك حدثتني نفسي .