يقول تعالى ذكره : استرت وجوه الخلق ، واستسلمت للحي القيوم الذي لا يموت ، القيوم على خلقه بتدبيره إياهم وتصريفهم لما شاءوا ، وأصل العنو الذل ، يقال منه : عنا وجهه لربه يعنو عنوا ، يعني خضع له وذل ، وكذلك قيل للأسير : عان لذلة الأسر ، فأما قولهم : أخذت الشيء عنوة ، فإنه يكون وإن كان معناه يئول إلى هذا أن يكون أخذه غلبة ، ويكون أخذه عن تسليم وطاعة ، كما قال الشاعر : [ ص: 377 ]
هل أنت مطيعي أيها القلب عنوة ولم تلح نفس لم تلم في اختيالها
وقال آخر :
هل أخذوها عنوة عن مودة ولكن بحد المشرفي استقالها
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) يقول : ذلت .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمى ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) يعني ب " عنت " : استسلموا لي .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله ( وعنت الوجوه ) قال : خشعت .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد مثله .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد [ ص: 378 ] عن قتادة قوله ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) أي ذلت الوجوه للحي القيوم .
حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) قال : ذلت الوجوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه ، قال : قال طلق : إذا سجد الرجل فقد عنا وجهه ، أو قال : عنا .
حدثني أبو حصن عبد الله بن أحمد قال : ثنا عبثر قال : ثنا حصين عن عمرو بن مرة عن في هذه الآية ( طلق بن حبيب وعنت الوجوه للحي القيوم ) قال : هو وضع الرجل رأسه ويديه وأطراف قدميه .
حدثني أبو السائب قال : ثنا ابن فضيل عن ليث عن عمرو بن مرة عن في قوله ( طلق بن حبيب وعنت الوجوه للحي القيوم ) قال : وهو وضعك جبهتك وكفيك وركبتيك وأطراف قدميك في السجود .
حدثنا خلاد بن أسلم قال ثنا عن محمد بن فضيل حصين عن عمرو بن مرة عن في قوله ( طلق بن حبيب وعنت الوجوه للحي القيوم ) قال : وضع الجبهة والأنف على الأرض .
حدثني يعقوب : قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا حصين عن عمرو بن مرة عن في قوله ( طلق بن حبيب وعنت الوجوه للحي القيوم ) قال : هو السجود على الجبهة والراحة والركبتين والقدمين .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) قال : أستأسرت الوجوه للحي القيوم ، صاروا أسارى كلهم له ، قال : والعاني : الأسير ، وقد بينا معنى الحي القيوم فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقوله ( وقد خاب من حمل ظلما ) يقول تعالى ذكره : ولم يظفر بحاجته وطلبته من حمل إلى موقف القيادة شركا بالله وكفرا به وعملا بمعصيته .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله ( وقد خاب من حمل ظلما ) قال : من حمل شركا .
[ ص: 379 ] حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وقد خاب من حمل ظلما ) قال : من حمل شركا . الظلم هاهنا : الشرك .