[ ص: 399 ] يقول تعالى ذكره ( ولولا كلمة سبقت من ربك ) يا محمد أن كل من قضى له أجلا فإنه لا يخترمه قبل بلوغه أجله ( وأجل مسمى ) يقول : ووقت مسمى عند ربك سماه لهم في أم الكتاب وخطه فيه ، هم بالغوه ومستوفوه ( لكان لزاما ) يقول : للازمهم الهلاك عاجلا وهو مصدر من قول القائل : لازم فلان فلانا يلازمه ملازمة ولزاما : إذا لم يفارقه ، وقدم قوله ( لكان لزاما ) قبل قوله ( وأجل مسمى ) ومعنى الكلام : ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما ، فاصبر على ما يقولون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله ( ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ) الأجل المسمى : الدنيا .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ) وهذه من مقاديم الكلام ، يقول : لولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى كان لزاما ، والأجل المسمى الساعة ، لأن الله تعالى يقول ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ) قال : هذا مقدم ومؤخر ، ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله ( لكان لزاما ) فقال بعضهم : معناه : لكان موتا .
[ ص: 400 ] ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثني أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( لكان لزاما ) يقول : موتا .
وقال آخرون : معناه لكان قتلا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ( لكان لزاما ) واللزوم : القتل .
وقوله ( فاصبر على ما يقولون ) يقول جل ثناؤه لنبيه : فاصبر يا محمد على ما يقول هؤلاء المكذبون بآيات الله من قومك لك إنك ساحر وإنك مجنون وشاعر ونحو ذلك من القول ( وسبح بحمد ربك ) يقول : وصل بثنائك على ربك ، وقال : بحمد ربك ، والمعنى : بحمدك ربك ، كما تقول : أعجبني ضرب زيد ، والمعنى : ضربي زيدا ، وقوله : ( قبل طلوع الشمس ) وذلك صلاة الصبح ( وقبل غروبها ) وهي العصر ( ومن آناء الليل ) وهي ساعات الليل ، واحدها : إنى ، على تقدير حمل ، ومنه قول المتنخل السعدي :
حلو ومر كعطف القدح مرته في كل إنى قضاه الليل ينتعل
ويعني بقوله ( ومن آناء الليل فسبح ) صلاة العشاء الآخرة ، لأنها تصلى بعد مضي آناء من الليل . وقوله ( وأطراف النهار ) : يعني صلاة الظهر والمغرب ، وقيل : أطراف النهار ، والمراد بذلك الصلاتان اللتان ذكرتا ، لأن صلاة الظهر في آخر طرف النهار الأول ، وفي أول طرف النهار الآخر ، فهي في طرفين منه ، [ ص: 401 ] والطرف الثالث : غروب الشمس ، وعند ذلك تصلى المغرب ، فلذلك قيل أطراف ، وقد يحمل أن يقال : أريد به طرفا النهار . وقيل : أطراف ، كما قيل ( صغت قلوبكما ) فجمع ، والمراد : قلبان ، فيكون ذلك أول طرف النهار الآخر ، وآخر طرفه الأول .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن عاصم عن ابن أبي زيد عن ابن عباس ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) قال : الصلاة المكتوبة .
حدثنا تميم بن المنتصر قال : ثنا قال : أخبرنا يزيد بن هارون إسماعيل بن أبي خالد عن عن قيس بن أبي حازم قال : جرير بن عبد الله وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) " . كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى القمر ليلة البدر فقال : " إنكم راءون ربكم كما ترون هذا ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا " ثم تلا (
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) قال : العصر ، وأطراف النهار قال : المكتوبة . ابن جريج
حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ) قال : هي صلاة الفجر ( وقبل غروبها ) قال : صلاة العصر ( ومن آناء الليل ) قال : صلاة المغرب والعشاء ( وأطراف النهار ) قال : صلاة الظهر .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار ) قال : من آناء الليل : العتمة ، وأطراف النهار : المغرب والصبح ، ونصب قوله ( وأطراف النهار ) عطفا على قوله ( قبل طلوع الشمس ) لأن معنى ذلك : فسبح بحمد ربك آخر الليل ، وأطراف النهار . [ ص: 402 ] وبنحو الذي قلنا في معنى ( آناء الليل ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن قال : قال ابن جريج ابن عباس ( ومن آناء الليل ) قال : المصلى من الليل كله .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا عن ابن علية أبي رجاء قال : سمعت الحسن قرأ ( ومن آناء الليل ) قال : من أوله ، وأوسطه ، وآخره .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله ( ومن آناء الليل فسبح ) قال : آناء الليل : جوف الليل .
وقوله ( لعلك ترضى ) يقول : كي ترضى .
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والعراق ( لعلك ترضى ) بفتح التاء . وكان عاصم يقرآن ذلك ( لعلك ترضى ) بضم التاء ، وروي ذلك عن والكسائي وكأن الذين قرءوا ذلك بالفتح ذهبوا إلى معنى : إن الله يعطيك ، حتى ترضى عطيته وثوابه إياك ، وكذلك تأوله أهل التأويل . أبي عبد الرحمن السلمي
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( لعلك ترضى ) قال : الثواب ، ترضى بما يثيبك الله على ذلك .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ( ابن جريج لعلك ترضى ) قال : بما تعطى ، وكأن الذين قرءوا ذلك بالضم وجهوا معنى الكلام إلى لعل الله يرضيك من عبادتك إياه ، وطاعتك له . والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما قراءتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، وهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار ، متفقتا المعنى ، غير مختلفتيه ، وذلك أن الله تعالى ذكره إذا أرضاه ، فلا شك أنه يرضى ، وأنه إذا رضي فقد أرضاه الله ، فكل واحدة منهما تدل على معنى الأخرى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب .