الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ( 34 ) كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ( 35 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما خلدنا أحدا من بني آدم يا محمد قبلك في الدنيا فنخلدك فيها ، ولا بد لك من أن تموت كما مات من قبلك رسلنا ( أفإن مت فهم الخالدون ) يقول : فهؤلاء المشركون بربهم هم الخالدون في الدنيا بعدك ، لا ما ذلك كذلك ، بل هم ميتون بكل حال عشت أو مت ، فأدخلت الفاء في إن وهي جزاء ، وفي جوابه ، لأن الجزاء متصل بكلام قبله ، ودخلت أيضا في قوله " فهم " لأنه جواب للجزاء ، ولو لم يكن في قوله " فهم " الفاء جاز على وجهين : أحدهما : أن تكون محذوفة ، وهي مرادة ، والآخر أن يكون مرادا تقديمها إلى الجزاء فكأنه قال : أفهم الخالدون إن مت .

وقوله ( كل نفس ذائقة الموت ) يقول تعالى ذكره : كل نفس منفوسة من خلقه معالجة غصص الموت ومتجرعة كأسها .

وقوله ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) يقول تعالى ذكره : ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها ، وبالخير وهو الرخاء والسعة العافية فنفتنكم به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين : قال : ثني [ ص: 440 ] حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس قوله ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) قال : بالرخاء والشدة ، وكلاهما بلاء .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) يقول : نبلوكم بالشر بلاء ، والخير فتنة ، ( وإلينا ترجعون ) .

حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) قال : نبلوهم بما يحبون وبما يكرهون ، نختبرهم بذلك لننظر كيف شكرهم فيما يحبون ، وكيف صبرهم فيما يكرهون .

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( ونبلوكم بالشر والخير ) يقول : نبتليكم بالشدة والرخاء ، والصحة والسقم ، والغنى والفقر ، والحلال والحرام ، والطاعة والمعصية ، والهدى والضلالة ، وقوله ( وإلينا ترجعون ) يقول : وإلينا يردون فيجازون بأعمالهم ، حسنها وسيئها .

التالي السابق


الخدمات العلمية