القول في تأويل قوله تعالى : ( وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ( 30 ) )
يقول تعالى ذكره بقوله ( ذلك ) هذا الذي أمر به من قضاء التفث والوفاء بالنذور ، والطواف بالبيت العتيق ، هو الفرض الواجب عليكم يا أيها الناس في حجكم ( ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) يقول : ومن يجتنب ما أمره الله باجتنابه في حال إحرامه تعظيما منه لحدود الله أن يواقعها وحرمة أن يستحلها ، فهو خير له عند ربه في الآخرة .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، قال : قال ابن جريج مجاهد ، في قوله : ( ذلك ومن يعظم حرمات الله ) قال : الحرمة : مكة والحج والعمرة ، وما نهى الله عنه من معاصيه كلها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ومن يعظم حرمات الله ) قال : الحرمات : المشعر الحرام ، والبيت الحرام ، والمسجد الحرام ، والبلد الحرام ، هؤلاء الحرمات .
وقوله : ( وأحلت لكم الأنعام ) يقول جل ثناؤه : وأحل الله لكم أيها الناس الأنعام أن تأكلوها إذا ذكيتموها ، فلم يحرم عليكم منها بحيرة ، ولا سائبة ، [ ص: 618 ] ولا وصيلة ، ولا حاما ، ولا ما جعلتموه منها لآلهتكم ( إلا ما يتلى عليكم ) يقول : إلا ما يتلى عليكم في كتاب الله ، وذلك : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع ، وما ذبح على النصب ، فإن ذلك كله رجس .
كما : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( إلا ما يتلى عليكم ) قال : إلا الميتة ، وما لم يذكر اسم الله عليه .
حدثنا الحسن ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .
وقوله : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) يقول : فاتقوا عبادة الأوثان ، وطاعة الشيطان في عبادتها فإنها رجس .
وبنحو الذي قلنا فى تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) يقول تعالى ذكره : فاجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن في قوله : ( ابن جريج الرجس من الأوثان ) قال : عبادة الأوثان .
وقوله : ( واجتنبوا قول الزور ) يقول تعالى ذكره : واتقوا قول الكذب والفرية على الله بقولكم في الآلهة : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وقولكم للملائكة : هي بنات الله ، ونحو ذلك من القول ، فإن ذلك كذب وزور وشرك بالله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال : أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : قول الزور قال : الكذب .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج عن ، عن ابن جريج مجاهد مثله . [ ص: 619 ] حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ) يعني الافتراء على الله والتكذيب .
حدثنا ، قال : ثنا محمد بن بشار عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم ، عن وائل بن ربيعة ، عن عبد الله ، قال : تعدل شهادة الزور بالشرك . وقرأ : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو بكر ، عن عاصم ، عن وائل بن ربيعة ، قال : عدلت شهادة الزور الشرك . ثم قرأ هذه الآية : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو أسامة ، قال : ثنا سفيان العصفري ، عن أبيه ، عن خريم بن فاتك قال : فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عدلت شهادة الزور بالشرك بالله " ثم قرأ : (
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن سفيان العصفري ، عن فاتك بن فضالة ، عن أيمن بن خريم ، فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) . أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فقال : " أيها الناس عدلت شهادة الزور بالشرك بالله " مرتين . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
ويجوز أن يكون مرادا به : اجتنبوا أن ترجسوا أنتم أيها الناس من الأوثان بعبادتكم إياها .
فإن قال قائل : وهل من الأوثان ما ليس برجس حتى قيل : فاجتنبوا الرجس منها ؟ قيل : كلها رجس . وليس المعنى ما ذهبت إليه في ذلك ، وإنما معنى الكلام : فاجتنبوا الرجس الذي يكون من الأوثان أي عبادتها ، فالذي أمر جل ثناؤه بقوله : ( فاجتنبوا الرجس ) منها اتقاء عبادتها ، وتلك العبادة هي الرجس ، على ما قاله ابن عباس ومن ذكرنا قوله قبل .