يقول تعالى ذكره : اجتنبوا أيها الناس عبادة الأوثان ، وقول الشرك ، مستقيمين لله على إخلاص التوحيد له ، وإفراد الطاعة والعبادة له خالصا دون الأوثان والأصنام ، غير مشركين به شيئا من دونه ، فإنه من يشرك بالله شيئا من دونه ، فمثله في بعده من الهدى وإصابة الحق وهلاكه وذهابه عن ربه مثل من خر من السماء فتخطفه الطير فهلك ، أو هوت به الريح في مكان سحيق ، يعني من بعيد ، من قولهم : أبعده الله وأسحقه ، وفيه لغتان : أسحقته الريح وسحقته ، ومنه قيل للنخلة الطويلة : نخلة سحوق ; ومنه قول الشاعر :
كانت لنا جارة فأزعجها قاذورة تسحق النوى قدما
ويروى : تسحق : يقول : فهكذا مثل المشرك بالله في بعده من ربه ومن إصابة الحق ، كبعد هذا الواقع من السماء إلى الأرض ، أو كهلاك من اختطفته الطير منهم في الهواء .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( فكأنما خر من السماء ) قال : هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه ( فتخطفه الطير أو تهوى به [ ص: 621 ] الريح في مكان سحيق ) .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( في مكان سحيق ) قال : بعيد .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد مثله .
وقيل : ( فتخطفه الطير ) وقد قيل قبله : ( فكأنما خر من السماء ) وخر فعل ماض ، وتخطفه مستقبل ، فعطف بالمستقبل على الماضي ، كما فعل ذلك في قوله : ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ) وقد بينت ذلك هناك .