يقول تعالى ذكره : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) أسللناه منه ، فالسلالة : هي المستلة من كل تربة ، ولذلك آدم خلق من تربة أخذت من أديم الأرض . كان
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في المعني بالإنسان في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عنى به آدم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( من طين ) قال : استل آدم من الطين .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( من سلالة من طين ) قال : استل آدم من طين ، وخلقت ذريته من ماء مهين .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولقد خلقنا ولد آدم ، وهو الإنسان الذي ذكر في هذا الموضع ، من سلالة ، وهي النطفة التي استلت من ظهر الفحل من طين ، وهو آدم الذي خلق من طين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عن المنهال بن عمرو ، أبي يحيى ، عن ابن عباس : ( من سلالة من طين ) قال : صفوة الماء .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( [ ص: 15 ] من سلالة ) من مني آدم .
حدثنا القاسم . قال : ثنا الحسين . قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : ولقد خلقنا ابن آدم من سلالة آدم ، وهي صفة مائه ، وآدم هو الطين; لأنه خلق منه .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية; لدلالة قوله : ( ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) على أن ذلك كذلك; لأنه معلوم أنه لم يصر في قرار مكين إلا بعد خلقه في صلب الفحل ، ومن بعد تحوله من صلبه صار في قرار مكين; والعرب تسمي ولد الرجل ونطفته : سليله وسلالته . لأنهما مسلولان منه ، ومن السلالة قول بعضهم :
حملت به عضب الأديم غضنفرا سلالة فرج كان غير حصين
وقول الآخر :
وهل كنت إلا مهرة عربية سلالة أفراس تحللها بغل
فمن قال : سلالة جمعها سلالات ، وربما جمعوها سلائل ، وليس بالكثير . لأن السلائل جمع للسليل ، ومنه قول بعضهم :
إذا أنتجت منها المهارى تشابهت على القود إلا بالأنوف سلائله
[ ص: 16 ] وقول الراجز :
يقذفن في أسلابها بالسلائل