القول في تأويل وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره : ( وليستعفف الذين لا يجدون ) ما ينكحون به النساء عن إتيان ما حرم الله عليهم من الفواحش ، حتى يغنيهم الله من سعة فضله ، ويوسع عليهم من رزقه .
[ ص: 167 ] وقوله : ( والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم ) يقول جل ثناؤه : والذين يلتمسون المكاتبة منكم من مماليككم ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) ، واختلف أهل العلم في وجه ، وهل قوله : ( مكاتبة الرجل عبده ، الذي قد علم فيه خيرا فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) على وجه الفرض ، أم هو على وجه الندب؟ فقال بعضهم : فرض على الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علم فيه خيرا ، إذا سأله العبد ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا قال : قلت ابن جريج ، لعطاء : أواجب علي إذا علمت مالا أن أكاتبه؟ قال : ما أراه إلا واجبا ، وقالها قال : قلت عمرو بن دينار ، لعطاء : أتأثره عن أحد؟ قال : لا .
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا محمد بن بكر ، سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك أن سيرين أراد أن يكاتبه ، فتلكأ عليه ، فقال له عمر : لتكاتبنه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لا ينبغي لرجل إذا كان عنده المملوك الصالح ، الذي له المال يريد إن يكاتب ، ألا يكاتبه .
وقال آخرون : ذلك غير واجب على السيد ، وإنما قوله : ( فكاتبوهم ) ندب من الله سادة العبيد إلى كتابة من علم فيه منهم خير ، لا إيجاب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال مالك بن أنس : الأمر عندنا أن ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك ، ولم أسمع بأحد من الأئمة أكره أحدا على أن يكاتب عبده ، وقد سمعت بعض أهل العلم إذا سئل عن ذلك ، فقيل له : إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) يتلو هاتين الآيتين ( وإذا حللتم فاصطادوا ) ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) قال مالك : فإنما ذلك أمر أذن الله فيه للناس ، وليس بواجب على الناس ولا يلزم أحدا . وقال الثوري : إذا أراد العبد من سيده أن يكاتبه ، فإن شاء السيد أن يكاتبه كاتبه ، ولا يجبر السيد على ذلك .
حدثني بذلك علي عن زيد ، عنه ، وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، [ ص: 168 ] قال : قال ابن زيد في قوله : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قال : ليس بواجب عليه أن يكاتبه ، إنما هذا أمر أذن الله فيه ، ودليل .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : واجب على سيد العبد أن يكاتبه إذا علم فيه خيرا ، وسأله العبد الكتابة ، وذلك أن ظاهر قوله : ( فكاتبوهم ) ظاهر أمر ، وأمر الله فرض الانتهاء إليه ، ما لم يكن دليل من كتاب أو سنة ، على أنه ندب ، لما قد بينا من العلة في كتابنا المسمى " البيان عن أصول الأحكام " .
وأما الخير الذي أمر الله تعالى ذكره عباده بكتابة عبيدهم إذا علموه فيهم ، فهو القدرة على الاحتراف والكسب لأداء ما كوتبوا عليه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد الكريم الجزري ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كره أن يكاتب مملوكه إذا لم تكن له حرفة ، قال : تطعمني أوساخ الناس .
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) يقول : إن علمتم لهم حيلة ، ولا تلقوا مؤنتهم على المسلمين .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا أشهب ، قال : سئل مالك بن أنس ، عن قوله : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) فقال : إنه ليقال : الخير القوة على الأداء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن زيد ، عن أبيه قول الله : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قال : الخير : القوة على ذلك .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن علمتم فيهم صدقا ووفاء وأداء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا قال : أخبرنا ابن علية ، يونس ، عن الحسن ، في قوله : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قال : صدقا ووفاء وأداء وأمانة .
قال : ثنا قال : ثنا ابن علية ، عبد الله ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أنهما قالا في قوله : ( وطاوس ، فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قالا مالا وأمانة .
[ ص: 169 ] حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قال : أداء وأمانة .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى ، محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن المغيرة ، قال : كان إبراهيم يقول في هذه الآية ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قال : صدقا ووفاء ، أو أحدهما .
حدثنا أبو بكر ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، في قوله ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قال : أداء ومالا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا قال : قال ابن جريج ، : أحسبه كل ذلك المال والصلاح . عمرو بن دينار
حدثني علي بن سهل ، قال : ثنا زيد ، قال : ثنا سفيان : ( إن علمتم فيهم خيرا ) يعني : صدقا ووفاء وأمانة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إن علمتم فيهم خيرا ) قال : إن علمت فيه خيرا لنفسك ، يؤدي إليك ويصدقك ما حدثك ; فكاتبه .
وقال آخرون بل معنى ذلك : إن علمتم لهم مالا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) يقول : إن علمتم لهم مالا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ، ابن عباس ( إن علمتم فيهم خيرا ) قال : مالا .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قال : مالا .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى ، محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( إن علمتم فيهم خيرا ) قال : لهم مالا فكاتبوهم .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
[ ص: 170 ] حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قال : إن علمتم لهم مالا كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى ، محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، عن زاذان ، عن عطاء بن أبي رباح : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قال : مالا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن مجاهد ، قال : إن علمتم عندهم مالا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني محمد بن عمرو اليافعي ، عن أن ابن جريج ، عطاء بن أبي رباح ، كان يقول : ما نراه إلا المال ، يعني قوله : ( إن علمتم فيهم خيرا ) قال : ثم تلا ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا ) .
وأولى هذه الأقوال في معنى ذلك عندي قول من قال : معناه فكاتبوهم إن علمتم فيهم قوة على الاحتراف والاكتساب ، ووفاء بما أوجب على نفسه وألزمها وصدق لهجة . وذلك أن هذه المعاني هي الأسباب التي بمولى العبد الحاجة إليها إذا كاتب عبده مما يكون في العبد .
فأما المال وإن كان من الخير ، فإنه لا يكون في العبد وإنما يكون عنده أو له لا فيه ، والله إنما أوجب علينا مكاتبة العبد إذا علمنا فيه خيرا ، لا إذا علمنا عنده أو له ، فلذلك لم نقل : إن الخير في هذا الموضع معني به المال .
وقوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) يقول تعالى ذكره : وأعطوهم من مال الله الذي أعطاكم .
ثم اختلف أهل التأويل في المأمور بإعطائه من مال الله الذي أعطاه ، من هو؟ وفي المال ، أي الأموال هو؟ فقال : بعضهم : الذي أمر الله بإعطاء المكاتب من مال الله : هو مولى العبد المكاتب ، ومال الله الذي أمر بإعطائه منه هو مال الكتابة ، والقدر الذي أمر أن يعطيه منه الربع .
وقال آخرون : بل ما شاء من ذلك المولى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عمرو بن علي ، قال : ثنا عمران بن عيينة ، قال : ثنا عطاء بن السائب ، عن عن أبي عبد الرحمن السلمي ، علي في قول الله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : ربع المكاتبة .
[ ص: 171 ] حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن عطاء بن السائب ، عن عن أبي عبد الرحمن السلمي ، علي ، في قول الله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : ربع الكتابة يحطها عنه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا عن ابن علية ، ليث بن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي رضي الله عنه ، في قول الله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : الربع من أول نجومه .
قال : أخبرنا قال ابن علية ، عطاء بن السائب : عن عن أبي عبد الرحمن السلمي ، علي ، في قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : الربع من مكاتبته .
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : ثنا محمد بن عبيد ، قال : ثني عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عبد الملك بن أعين ، قال : كاتب أبو عبد الرحمن غلاما في أربعة آلاف درهم ، ثم وضع له الربع ، ثم قال : لولا أني رأيت عليا ، رضوان الله عليه كاتب غلاما له ، ثم وضع له الربع ، ما وضعت لك شيئا .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عبد الأعلى ، عن : أنه كاتب غلاما له على ألف ومائتين ، فترك الربع وأشهدني ، فقال لي : كان صديقك يفعل هذا ، يعني أبي عبد الرحمن السلمي عليا رضوان الله عليه يتأول ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد الملك ، قال : ثني فضالة بن أبي أمية ، عن أبيه ، قال : كاتبني رضي الله عنه ، فاستقرض لي من عمر بن الخطاب حفصة مائتي درهم . قلت : ألا تجعلها في مكاتبتي؟ قال : إني لا أدري أدرك ذاك أم لا .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، بلغني أنه كاتبه على مائة أوقية ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد الملك ، قال : ذكرت ذلك لعكرمة ، فقال : هو قول الله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قول الله ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) يقول : ضعوا عنهم من مكاتبتهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) يقول : ضعوا عنهم مما قاطعتموهم عليه .
[ ص: 172 ] حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، في قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : مما أخرج الله لكم منهم .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : آتهم مما في يديك .
حدثني الحسين بن عمرو العنقزي ، قال : ثني أبي ، عن أسباط ، عن عن أبيه ، قال : كاتبتني السدي ، زينب بنت قيس بن مخرمة من بني المطلب بن عبد مناف على عشرة آلاف ، فتركت لي ألفا وكانت زينب قد صلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين جميعا .
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا ابن مسعود الجريري ، عن عن أبي نضرة ، أبي سعيد ، مولى أبي أسيد ، قال : كاتبني أبو أسيد ، على ثنتي عشرة مائة ، فجئته بها ، فأخذ منها ألفا ، ورد علي مائتين .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال : كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أول نجومه ; مخافة أن يعجز فترجع إليه صدقته ، ولكنه إذا كان في آخر مكاتبته وضع عنه ما أحب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني مخرمة ، عن أبيه ، عن نافع ، قال : كاتب عبد الله بن عمر غلاما له يقال له : شرف ، على خمسة وثلاثين ألف درهم ، فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف ولم يذكر نافع أنه أعطاه شيئا غير الذي وضع له .
قال أخبرنا ابن وهب ، قال : قال مالك : سمعت بعض أهل العلم يقول : إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه ، ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئا مسمى ، قال مالك : وذلك أحسن ما سمعت ، وعلى ذلك أهل العلم ، وعمل الناس عندنا .
حدثني علي ، قال : ثنا زيد ، قال : ثنا سفيان : أحب إلي أن يعطيه الربع ، أو أقل منه شيئا ، وليس بواجب ، وأن يفعل ذلك حسن .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن عبد الله بن حبيب أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي رضي الله عنه ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : هو ربع المكاتبة .
وقال آخرون : بل ذلك حض من الله أهل الأموال على أن يعطوهم سهمهم ، الذي جعله لهم من الصدقات المفروضة لهم في أموالهم ، بقوله : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ) قال : فالرقاب التي جعل فيها [ ص: 173 ] أحد سهمان الصدقة الثمانية هم المكاتبون ، قال : وإياه عنى جل ثناؤه بقوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) : أي سهمهم من الصدقة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثني قال : ثنا يحيى بن واضح ، الحسين ، عن ابن زيد ، عن أبيه ، قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : يحث الله عليه يعطونه .
حدثني يعقوب ، قال : ثني قال : أخبرنا ابن علية ، يونس ، عن الحسن ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : حث الناس عليه ، مولاه وغيره .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيم في قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : يعطي مكاتبه وغيره حث الناس عليه .
حدثني يعقوب قال : ثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم أنه قال في قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : أمر مولاه والناس جميعا أن يعينوه .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، محمد ، قال : ثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : أمر المسلمين أن يعطوهم مما آتاهم الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن زيد ، عن أبيه ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : ذلك في الزكاة على الولاة ، يعطونهم من الزكاة ، يقول الله ( وفي الرقاب ) .
قال : ثني ابن زيد ، عن أبيه ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : الفيء والصدقات . وقرأ قول الله : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) ، وقرأ حتى بلغ : ( وفي الرقاب ) فأمر الله أن يوفوها منه ، فليس ذلك من الكتابة ، قال : وكان أبي يقول : ما له وللكتابة؟! هو من مال الله الذي فرض له فيه نصيبا .
وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي القول الثاني ، وهو قول من قال : عنى به إيتاءهم سهمهم من الصدقة المفروضة .
وإنما قلنا ذلك أولى القولين ، لأن قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) أمر من الله تعالى ذكره بإيتاء المكاتبين من ماله الذي آتى أهل الأموال ، وأمر الله فرض على عباده الانتهاء إليه ، ما لم يخبرهم أن مراده الندب ، لما قد بينا في غير موضع من كتابنا ، فإذ كان ذلك كذلك ولم يكن أخبرنا في كتابه ، ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم [ ص: 174 ] أنه ندب ، ففرض واجب . وإذ كان ذلك كذلك ، وكانت الحجة قد قامت أن لا حق لأحد في مال أحد غيره من المسلمين ، إلا ما أوجبه الله لأهل سهمان الصدقة في أموال الأغنياء منهم ، وكانت الكتابة التي يقتضيها سيد المكاتب من مكاتبه مالا من مال سيد المكاتب ، فيفاد أن الحق الذي أوجب الله له على المؤمنين أن يؤتوه من أموالهم ، هو ما فرض على الأغنياء في أموالهم له من الصدقة المفروضة ، إذ كان لا حق في أموالهم لأحد سواها .