يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود : أيترككم يا قوم ربكم في هذه الدنيا آمنين ، لا تخافون شيئا ؟ . ( في جنات وعيون ) يقول : في بساتين وعيون ماء . ( وزروع ونخل طلعها هضيم ) يعني بالطلع : الكفرى .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله ( هضيم ) فقال بعضهم : معناه اليانع النضيج .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ونخل طلعها هضيم ) يقول : أينع وبلغ فهو هضيم .
وقال آخرون : بل هو المتهشم المتفتت . [ ص: 381 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( ونخل طلعها هضيم ) قال محمد بن عمرو في حديثه تهشم هشيما . وقال الحارث : تهشم تهشما .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، قال : سمعت عبد الكريم يقول : سمعت ابن جريج يقول في قوله : ( مجاهدا ونخل طلعها هضيم ) قال : حين تطلع يقبض عليه فيهضمه .
قال : قال ابن جريج مجاهد : إذا مس تهشم وتفتت ، قال : هو من الرطب هضيم تقبض عليه فتهضمه .
وقال آخرون : هو الرطب اللين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة قوله : ( ونخل طلعها هضيم ) قال : الهضيم : الرطب اللين .
وقال آخرون : هو الراكب بعضه بعضا .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( طلعها هضيم ) إذا كثر حمل النخلة فركب بعضها بعضا ، حتى نقص بعضها بعضا ، فهو حينئذ هضيم .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : الهضيم : هو المتكسر من لينه ورطوبته ، وذلك من قولهم : هضم فلان حقه : إذا انتقصه وتحيفه ، فكذلك الهضم في الطلع ، إنما هو التنقص منه من رطوبته ولينه إما بمس الأيدي ، وإما بركوب بعضه بعضا ، وأصله مفعول صرف إلى فعيل .
وقوله : ( وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ) يقول تعالى ذكره : وتتخذون من الجبال بيوتا .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( فارهين ) فقرأته عامة قراء أهل الكوفة : [ ص: 382 ] ( فارهين ) بمعنى : حاذقين بنحتها .
وقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة : " فرهين " بغير ألف ، بمعنى : أشرين بطرين .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القراء في قراءته ، فقال بعضهم : معنى فارهين : حاذقين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثام ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح : ( وعبد الله بن شداد وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ) قال أحدهما : حاذقين ، وقال الآخر : يتجبرون .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا مروان ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح : ( وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ) قال : حاذقين بنحتها .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( فارهين ) يقول : حاذقين .
وقال آخرون : معنى فارهين : مستفرهين متجبرين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن ، عن السدي في قوله : " فرهين " قال : يتجبرون . عبد الله بن شداد
قال أبو جعفر : والصواب : فارهين .
وقال آخرون ممن قرأه فارهين : معنى ذلك : كيسين .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فارهين ) قال : كيسين .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ، قال : ثنا يحيى بن واضح عبيد ، عن الضحاك أنه قرأ ( فارهين ) قال : كيسين .
وقال آخرون : فرهين : أشرين . [ ص: 383 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ) يقول : أشرين ، ويقال : كيسين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " بيوتا فرهين " قال : شرهين .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد ، بمثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : أقوياء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وتنحتون من الجبال بيوتا فرهين " قال : الفره : القوي .
وقال آخرون في ذلك بما حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة ، في قوله : " فرهين " قال : معجبين بصنيعكم . والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن قراءة من قرأها ( فارهين ) وقراءة من قرأ " فرهين " قراءتان معروفتان ، مستفيضة القراءة بكل واحدة منهما في علماء القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . ومعنى قراءة من قرأ ( فارهين ) : حاذقين بنحتها ، متخيرين لمواضع نحتها ، كيسين ، من الفراهة . ومعنى قراءة من قرأ " فرهين " : مرحين أشرين . وقد يجوز أن يكون معنى فاره وفره واحدا ، فيكون فاره مبنيا على بنائه ، وأصله من فعل يفعل ، ويكون فره صفة ، كما يقال : فلان حاذق بهذا الأمر وحذق . ومن الفاره بمعنى المرح قول الشاعر عدي بن وادع العوفي من الأزد :
لا أستكين إذا ما أزمة أزمت ولن تراني بخير فاره الطلب
[ ص: 384 ]أي : مرح الطلب . وقوله : ( فاتقوا الله وأطيعون ) يقول تعالى ذكره : فاتقوا عقاب الله أيها القوم على معصيتكم ربكم ، وخلافكم أمره ، وأطيعون في نصيحتي لكم ، وإنذاري إياكم عقاب الله ترشدوا .