يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود : لا تطيعوا أيها القوم أمر المسرفين على أنفسهم في تماديهم في معصية الله ، واجترائهم على سخطه ، وهم الرهط التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون من ثمود الذين وصفهم الله جل ثناؤه بقوله : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) يقول : الذين يسعون في أرض الله بمعاصيه ، ولا يصلحون ، يقول : ولا يصلحون أنفسهم بالعمل بطاعة الله .
وقوله : ( إنما أنت من المسحرين ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه إنما أنت من المسحورين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : [ ص: 385 ] ( إنما أنت من المسحرين ) قال : من المسحورين .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال ثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( إنما أنت من المسحرين ) قال : إنما أنت من المسحورين .
وقال آخرون : معناه : من المخلوقين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبيد ، قال : ثنا موسى بن عمرو ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، في قوله : ( إنما أنت من المسحرين ) قال : من المخلوقين .
واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك ، فكان بعض أهل البصرة يقول : كل من أكل من إنس أو دابة فهو مسحر ، وذلك لأن له سحرا يقري ما أكل فيه ، واستشهد على ذلك بقول لبيد :
فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر
وقال بعض نحويي الكوفيين نحو هذا ، غير أنه قال : أخذ من قولك : انتفخ سحرك : أي أنك تأكل الطعام والشراب ، فتسحر به وتعلل . وقال : معنى قول لبيد : " من هذا الأنام المسحر " : من هذا الأنام المعلل المخدوع . قال : ويروى أن السحر من ذلك ، لأنه كالخديعة . [ ص: 386 ]
والصواب من القول في ذلك عندي : القول الذي ذكرته عن ابن عباس ، أن معناه : إنما أنت من المخلوقين الذين يعللون بالطعام والشراب مثلنا ، ولست ربا ولا ملكا فنطيعك ، ونعلم أنك صادق فيما تقول . والمسحر : المفعل من السحرة ، وهو الذي له سحرة .