القول في فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين ( 13 ) تأويل قوله تعالى : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ( 14 ) )
يقول تعالى ذكره : فلما جاءت فرعون آياتنا ، يعني : أدلتنا وحججنا ، على حقيقة ما دعاهم إليه موسى وصحته ، وهي الآيات التسع التي ذكرناها قبل . وقوله ( مبصرة ) يقول : يبصر بها من نظر إليها ورآها حقيقة ما دلت عليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 436 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن : ( ابن جريج فلما جاءتهم آياتنا مبصرة ) قال : بينة ( قالوا هذا سحر مبين ) ، يقول : قال فرعون وقومه : هذا الذي جاءنا به موسى سحر مبين ، يقول : يبين للناظرين له أنه سحر .
وقوله : ( وجحدوا بها ) يقول : وكذبوا بالآيات التسع أن تكون من عند الله .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن : ( ابن جريج وجحدوا بها ) قال : الجحود : التكذيب بها . وقوله : ( واستيقنتها أنفسهم ) يقول : وأيقنتها قلوبهم ، وعلموا يقينا أنها من عند الله ، فعاندوا بعد تبينهم الحق ، ومعرفتهم به .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ابن عباس : ( واستيقنتها أنفسهم ) قال : يقينهم في قلوبهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله : ( واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) قال : استيقنوا أن الآيات من الله حق ، فلم جحدوا بها ؟ قال : ظلما وعلوا .
وقوله : ( ظلما وعلوا ) يعني بالظلم : الاعتداء ، والعلو : الكبر ، كأنه قيل : اعتداء وتكبرا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، في قوله : ( ابن جريج ظلما وعلوا ) قال : تعظما واستكبارا ، ومعنى ذلك : وجحدوا بالآيات التسع ظلما وعلوا ، واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله ، فعاندوا الحق بعد وضوحه لهم ، فهو من المؤخر الذي معناه التقديم .
وقوله : ( فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) .
ويقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فانظر يا محمد بعين قلبك [ ص: 437 ] كيف كان عاقبة تكذيب هؤلاء الذين جحدوا آياتنا حين جاءتهم مبصرة ، وماذا حل بهم من إفسادهم في الأرض ومعصيتهم فيها ربهم ، وأعقبهم ما فعلوا ، فإن ذلك أخرجهم من جنات وعيون ، وزروع ومقام كريم ، إلى هلاك في العاجل بالغرق ، وفي الآجل إلى عذاب دائم لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون . يقول : وكذلك يا محمد سنتي في الذين كذبوا بما جئتهم به من الآيات على حقيقة ما تدعوهم إليه من الحق من قومك .