يقول - تعالى ذكره - : ومن حججه ( يريكم البرق خوفا ) لكم إذا كنتم سفرا ، أن [ ص: 88 ] تمطروا فتتأذوا به ( وطمعا ) لكم ، إذا كنتم في إقامة ، أن تمطروا ، فتحيوا وتخصبوا ( وينزل من السماء ماء ) يقول : ، فيحيي بذلك الماء الأرض الميتة ؛ فتنبت ويخرج زرعها بعد موتها ، يعني جدوبها ودروسها ( وينزل من السماء مطرا إن في ذلك لآيات ) يقول : إن في فعله ذلك كذلك لعبرا وأدلة ( لقوم يعقلون ) عن الله حججه وأدلته .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( يريكم البرق خوفا وطمعا ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا ) قال : خوفا للمسافر ، وطمعا للمقيم . واختلف أهل العربية في وجه سقوط " أن " في قوله : ( يريكم البرق خوفا وطمعا ) فقال بعض نحويي البصرة : لم يذكر هاهنا " أن " ؛ لأن هذا يدل على المعنى ، وقال الشاعر :
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
قال : وقال :
لو قلت ما في قومها لم تيثم يفضلها في حسب وميسم
وقال : يريد ما في قومها أحد ، وقال بعض نحويي الكوفيين : إذا أظهرت " أن " فهي في موضع رفع ، كما قال : ( ومن آياته خلق السموات والأرض ومنامكم ) فإذا حذفت جعلت ( من ) مؤدية عن اسم متروك ، يكون الفعل صلة ، كقول الشاعر :
وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
كأنه أراد : فمنهما ساعة أموتها ، وساعة أعيشها ، وكذلك : ( ومن آياته يريكم ) آية البرق ، وآية لكذا ، وإن شئت أردت : ويريكم من آياته البرق ، فلا تضمر " أن " ولا غيره . وقال بعض من أنكر قول البصري : إنما ينبغي أن تحذف " أن " من الموضع الذي يدل على حذفها ، فأما في كل موضع فلا فأما مع أحضر الوغى ، فلما كان : زجرتك أن تقوم ، وزجرتك لأن تقوم ، يدل على الاستقبال جاز حذف " أن " ؛ لأن الموضع معروف لا يقع في كل الكلام ، فأما قوله : ومن آياته أنك قائم ، وأنك تقوم ، وأن تقوم ، فهذا الموضع لا يحذف ، لأنه لا يدل على شيء واحد .
والصواب من القول في ذلك أن " من " في قوله : ( ومن آياته ) تدل على المحذوف ، وذلك أنها تأتي بمعنى التبعيض . وإذا كانت كذلك ، كان معلوما أنها تقتضي البعض ، فلذلك تحذف العرب معها الاسم ؛ لدلالتها عليه .