القول في تأويل قوله تعالى : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( 17 ) )
يقول - تعالى ذكره - : فلا تعلم نفس ذي نفس ما أخفى الله لهؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم في هاتين الآيتين ، مما تقر به أعينهم في جنانه يوم القيامة ( جزاء بما كانوا يعملون ) يقول : ثوابا لهم على أعمالهم التي كانوا في الدنيا يعملون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : ثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، [ ص: 183 ] عن أبي عبيدة قال : قال عبد الله : إن في التوراة مكتوبا : لقد أعد الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولم تسمع أذن ، وما لم يسمعه ملك مقرب . قال : ونحن نقرؤها : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) .
حدثنا خلاد قال : أخبرنا النضر بن شميل قال : أخبرنا إسرائيل قال : أخبرنا أبو إسحاق ، عن عبيدة بن ربيعة ، عن ابن مسعود قال : مكتوب في التوراة على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، في القرآن ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : خبأ لهم ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قال سفيان : فيما علمت على غير وجه الشك .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت أبا عبيدة قال : قال عبد الله قال : - يعني - الله : " أعددت لعبادي الصالحين ما لم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب ناظر ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعلمون ) " .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن صلت ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن عبيدة بن ربيعة الحارثي ، عن قال : إن في التوراة للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع من الكرامة ، ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولم تسمع أذن ، وإنه لفي القرآن ( عبد الله بن مسعود فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا الأشجعي ، عن ابن أبجر قال : سمعت الشعبي يقول : سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر : إن موسى - صلى الله عليه وسلم - سأل [ ص: 184 ] عن أبخس أهل الجنة فيها حظا ، فقيل له : رجل يؤتى به وقد دخل أهل الجنة الجنة ، قال : فيقال له : ادخل ، فيقول : أين وقد أخذ الناس أخذاتهم ؟ فيقال : اعدد أربعة ملوك من ملوك الدنيا ، فيكون لك مثل الذي كان لهم ، ولك أخرى شهوة نفسك ، فيقول : أشتهي كذا وكذا ، وأشتهي كذا ، وقال : لك أخرى ، لك لذة عينك ، فيقول : ألذ كذا وكذا ، فيقال : لك عشرة أضعاف مثل ذلك ، وسأله عن أعظم أهل الجنة فيها حظا ، فقال : ذاك شيء ختمت عليه يوم خلقت السموات والأرض . قال الشعبي : فإنه في القرآن : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) .
حدثني أحمد بن محمد الطوسي قال : ثنا قال : ثنا الحميدي ابن عيينة ، وحدثني به القرقساني ، عن ابن عيينة ، عن مطرف بن طريف ، وابن أبجر ، سمعنا الشعبي يقول : سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : موسى سأل ربه : أي رب ، أي أهل الجنة أدنى منزلة ؟ قال : رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة ، فيقال له : ادخل . فيقول : كيف أدخل وقد نزلوا منازلهم ؟ فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : بخ أي رب قد رضيت ، فيقال له : إن لك هذا ومثله ومثله ومثله ، فيقول : رضيت أي رب رضيت ، فيقال له : إن لك هذا وعشرة أمثاله معه ، فيقول : رضيت أي رب ، فيقال له : فإن لك مع هذا ما اشتهت نفسك ، ولذت عينك ، قال : فقال موسى : أي رب ، وأي أهل الجنة أرفع منزلة ، قال : إياها أردت ، وسأحدثك عنهم ، غرست لهم كرامتي بيدي ، وختمت عليها ، فلا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . قال : ومصداق ذلك في كتاب الله ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) . " إن
حدثنا قال : ثنا محمد بن منصور الطوسي إسحاق بن سليمان قال : ثنا عمرو بن أبي قيس ، عن عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( وكان عرشه على الماء ) وكان عرش الله على الماء ، ثم اتخذ لنفسه جنة ، ثم اتخذ دونها أخرى ، ثم أطبقها بلؤلؤة واحدة ، قال : ( ومن دونهما جنتان ) قال : وهي التي لا تعلم نفس ، أو قال : هما التي لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء [ ص: 185 ] بما كانوا يعملون . قال : وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيها أو ما فيهما يأتيهم كل يوم منها أو منهما تحفة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، بنحوه .
حدثنا سهل بن موسى الرازي قال : ثنا عن الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، أبي اليمان الهوزني أو غيره ، قال : الجنة مئة درجة ، أولها درجة فضة ، أرضها فضة ، ومساكنها فضة ، وآنيتها فضة ، وترابها المسك . والثانية ذهب ، وأرضها ذهب ، ومساكنها ذهب ، وآنيتها ذهب ، وترابها المسك . والثالثة لؤلؤ ، وأرضها لؤلؤ ، ومساكنها لؤلؤ ، وآنيتها لؤلؤ ، وترابها المسك . وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأته ، ولا أذن سمعته ، ولا خطر على قلب بشر ، وتلا هذه الآية ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا المحاربي وعبد الرحيم ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) " . " قال الله : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، واقرءوا إن شئتم ، قال الله : (
حدثنا أبو كريب قال : ثنا أبو معاوية وابن نمير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) قال " أعددت لعبادي الصالحين ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " قال أبو هريرة : ومن بله ما أطلعكم عليه ، اقرءوا إن شئتم : ( : نقرؤها : ( أبو هريرة قرات أعين ) .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن الغطريف ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عن الروح الأمين ، قال : يزداد ، فحدث بمثل هذا ؛ قال : قلت : فأين ذهبت الحسنة ؟ قال : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) ، [ ص: 186 ] قلت : قوله : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) قال : العبد يعمل سرا أسره إلى الله لم يعلم به الناس ، فأسر الله له يوم القيامة قرة عين . " يؤتى بحسنات العبد وسيئاته ، فينقص بعضها من بعض ، فإن بقيت حسنة واحدة ، وسع الله له في الجنة " ، قال : فدخلت على
حدثني العباس بن أبي طالب قال : ثنا معلى بن أسد قال : ثنا عن سلام بن أبي مطيع ، قتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، عن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يروي عن ربه ، قال : أبي سعيد الخدري ، " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .
حدثني أبو السائب قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني أبو صخر ، أن أبا حازم حدثه ، قال : سمعت سهل بن سعد يقول : تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) إلى قوله : ( جزاء بما كانوا يعملون ) . شهدت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : " فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " ثم قرأ هذه الآية (
حدثنا ابن بشار قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " قال ربكم : أعددت لعبادي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يروي ذلك عن ربه ، " قال ربكم : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .
حدثني ابن وكيع قال : ثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) قال : أخفوا عملا في الدنيا ، فأثابهم الله بأعمالهم .
حدثني القاسم بن بشر قال : ثنا سليمان بن حرب قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، عن قال : أبي هريرة حماد : أحسبه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من يدخل الجنة ينعم ولا يبؤس ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ، في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) فقرأ ذلك بعض المدنيين والبصريين ، وبعض الكوفيين : ( أخفي ) بضم الألف وفتح الياء [ ص: 187 ] بمعنى فعل . وقرأ بعض الكوفيين : ( أخفي لهم ) بضم الألف وإرسال الياء ، بمعنى أفعل ، أخفي لهم أنا .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان ، متقاربتا المعنى ، لأن الله إذا أخفاه فهو مخفي ، وإذا أخفي فليس له مخف غيره ، و " ما " في قوله : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم ) فإنها إذا جعلت بمعنى الذي كانت نصبا بوقوع " تعلم " عليها كيف قرأ القارئ " أخفي " ، وإذا وجهت إلى معنى أي كانت رفعا إذا قرئ أخفي بنصب الياء وضم الألف ، لأنه لم يسم فاعله ، وإذا قرئ " أخفي " بإرسال الياء كانت نصبا بوقوع أخفي عليها .