ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل ( 23 ) القول في تأويل قوله تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ( 24 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ولقد آتينا موسى التوراة ، كما آتيناك الفرقان يا محمد ( فلا تكن في مرية من لقائه ) يقول : فلا تكن في شك من لقائه ، فكان قتادة يقول : معنى ذلك : فلا تكن في شك من أنك لقيته ، أو تلقاه ليلة أسري بك ، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله [ ص: 194 ]
- صلى الله عليه وسلم - . حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة عن أبي العالية الرياحي قال : حدثنا ابن عم نبيكم - يعني : ابن عباس - قال : قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : " موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا ، كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس ورأيت مالكا خازن النار ، والدجال " في آيات أراهن الله إياه ، ( أريت ليلة أسري بي فلا تكن في مرية من لقائه ) أنه قد رأى موسى ، ولقي موسى ليلة أسري به .
وقوله : ( وجعلناه هدى لبني إسرائيل ) يقول - تعالى ذكره - : وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل ، يعني : رشادا لهم يرشدون باتباعه ، ويصيبون الحق بالاقتداء به ، والائتمام بقوله .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجعلناه هدى لبني إسرائيل ) قال : جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل .
وقوله : ( وجعلنا منهم أئمة ) يقول - تعالى ذكره - : وجعلنا من بني إسرائيل أئمة ، وهي جمع إمام ، والإمام الذي يؤتم به في خير أو شر ، وأريد بذلك في هذا الموضع أنه جعل منهم قادة في الخير ، يؤتم بهم ، ويهتدى بهديهم .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا ) قال : رؤساء في الخير . وقوله : ( يهدون بأمرنا ) يقول - تعالى ذكره - : يهدون أتباعهم وأهل القبول منهم بإذننا لهم بذلك ، وتقويتنا إياهم عليه .
وقوله : ( لما صبروا ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة ، وبعض أهل الكوفة ( لما صبروا ) بفتح اللام وتشديد الميم ، بمعنى : إذ صبروا ، وحين صبروا ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة ( لما ) بكسر اللام وتخفيف الميم بمعنى : لصبرهم عن الدنيا وشهواتها ، واجتهادهم في طاعتنا ، والعمل بأمرنا ، وذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود ( بما صبروا ) وما إذا كسرت اللام من ( لما ) في موضع خفض ، وإذا فتحت اللام وشددت الميم ، فلا موضع لها ، لأنها حينئذ أداة . [ ص: 195 ]
والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، قد قرأ بكل واحدة منهما عامة من القراء فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وتأويل الكلام إذا قرئ ذلك بفتح اللام وتشديد الميم ، وجعلنا منهم أئمة يهدون أتباعهم بإذننا إياهم ، وتقويتنا إياهم على الهداية ، إذ صبروا على طاعتنا ، وعزفوا أنفسهم عن لذات الدنيا وشهواتها . وإذا قرئ بكسر اللام على ما قد وصفنا .
وقد حدثنا ابن وكيع قال : قال أبي ، سمعنا في ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ) قال : عن الدنيا .
وقوله : ( وكانوا بآياتنا يوقنون ) يقول : وكانوا أهل يقين بما دلهم عليه حججنا ، وأهل تصديق بما تبين لهم من الحق ، وإيمان برسلنا ، وآيات كتابنا وتنزيلنا .