[ ص: 375 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال  كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور   ( 15 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : لقد كان لولد سبإ  في مسكنهم علامة بينة ، وحجة واضحة على أنه لا رب لهم إلا الذي أنعم عليهم النعم التي كانوا فيها . 
وسبأ  عن رسول الله اسم أبي اليمن   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا  وكيع ،  عن أبي حيان الكلبي ،  عن يحيى بن هانئ ،  عن عروة المرادي ،  عن رجل منهم يقال له : فروة بن مسيك  قال : قلت يا رسول الله ، أخبرني عن سبإ  ما كان؟ رجلا كان أو امرأة ، أو جبلا أو دواب؟ فقال : " لا كان رجلا من العرب وله عشرة أولاد ; فتيمن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة ، فأما الذين تيمنوا منهم فكندة ،  وحمير ،  والأزد ،  والأشعريون ،  ومذحج ،  وأنمار  الذين منها خثعم ،  وبجيلة ،  وأما الذين تشاءموا ; فعاملة  وجذام ،  ولخم ،  وغسان   " . 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا أبو أسامة  قال : ثني الحسن بن الحكم  قال : ثنا أبو سبرة النخعي ،  عن فروة بن مسيك القطيعي  قال : قال رجل يا رسول الله ، أخبرني عن سبإ   ما هو؟ أرض أو امرأة؟ قال : ليس بأرض ولا امرأة ، ولكنه رجل ولد عشرة من الولد ; فتيامن ستة وتشاءم أربعة ، فأما الذين تشاءموا فلخم ،  وجذام ،  وعاملة ،  وغسان ،  وأما الذين تيامنوا فكندة ،  والأشعريون ،  والأزد ،  ومذحج ،  وحمير ،  وأنمار ،   " فقال رجل : ما أنمار؟  قال : " الذين منهم خثعم ،  وبجيلة   " . 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا العنقزي  قال : أخبرني أسباط بن نصر ،  عن يحيى بن هانئ المرادي ،  عن أبيه ، أو عن عمه ( أسباط شك ) قال : قدم فروة بن مسيك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله ، أخبرني عن سبإ   أجبلا كان أو أرضا؟ فقال : " لم يكن جبلا ولا أرضا ولكنه كان رجلا من العرب  [ ص: 376 ] ولد عشرة قبائل ، ثم ذكر نحوه ، إلا أنه قال : " وأنمار  الذين يقولون منهم بجيلة ،  وخثعم   " . فإن كان الأمر كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن سبأ  رجل ، كان الإجراء فيه وغير الإجراء معتدلين ، أما الإجراء فعلى أنه اسم رجل معروف ، وأما ترك الإجراء فعلى أنه اسم قبيلة أو أرض . وقد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء . 
واختلفت القراء في قراءة قوله ( في مسكنهم ) فقرأته عامة قراء المدينة   والبصرة  وبعض الكوفيين ( في مساكنهم ) على الجماع ، بمعنى منازل آل سبإ    . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين   ( في مسكنهم ) على التوحيد ، وبكسر الكاف ، وهي لغة لأهل اليمن   فيما ذكر لي . وقرأ حمزة   ( مسكنهم ) على التوحيد وفتح الكاف . 
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن كل ذلك قراءات متقاربات المعنى ، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب . 
وقوله ( آية ) قد بينا معناها قبل . 
وأما قوله ( جنتان عن يمين وشمال   ) فإنه يعني : بستانان كانا بين جبلين ، عن يمين من أتاهما وشماله . 
وكان من صنفهما فيما ذكر لنا ما حدثنا  محمد بن بشار  قال : ثنا سليمان  قال : ثنا أبو هلال  قال : سمعت قتادة  في قوله ( لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال   ) قال : كانت جنتان بين جبلين فكانت المرأة تخرج مكتلها على رأسها فتمشي بين جبلين ، فيمتلئ مكتلها ، وما مست بيدها ، فلما طغوا بعث الله عليهم دابة ، يقال لها " جرذ " فنقبت عليهم فغرقتهم ، فما بقي لهم إلا أثل ، وشيء من سدر قليل . 
حدثنا يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال   ) إلى قوله ( فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم   ) قال : ولم يكن يرى في قريتهم بعوضة  [ ص: 377 ] قط ، ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ، وإن كان الركب ليأتون وفي ثيابهم القمل والدواب ، فما هم إلا أن ينظروا إلى بيوتهم ، فتموت الدواب قال : وإن كان الإنسان ليدخل الجنتين ، فيمسك القفة على رأسه فيخرج حين يخرج ، وقد امتلأت تلك القفة من أنواع الفاكهة ولم يتناول منها شيئا بيده قال : والسد يسقيها . 
ورفعت الجنتان في قوله ( جنتان عن يمين وشمال   ) ترجمة عن الآية ، لأن معنى الكلام : لقد كان لسبإ  في مسكنهم آية هي جنتان عن أيمانهم وشمائلهم . 
وقوله ( كلوا من رزق ربكم   ) الذي يرزقكم من هاتين الجنتين من زروعهما وأثمارهما ، ( واشكروا له   ) على ما أنعم به عليكم من رزقه ذلك ، وإلى هذا منتهى الخبر ، ثم ابتدأ الخبر عن البلدة فقيل : هذه بلدة طيبة أي ليست بسبخة ، ولكنها كما ذكرنا من صفتها عن عبد الرحمن بن زيد  أن كانت كما وصفها به ابن زيد  من أنه لم يكن فيها شيء مؤذ ; الهمج والدبيب والهوام ( ورب غفور ) يقول : ورب غفور لذنوبكم إن أنتم أطعتموه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله ( بلدة طيبة ورب غفور   ) وربكم غفور لذنوبكم ، قوم أعطاهم الله نعمة ، وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته . 
				
						
						
