يقول - تعالى ذكره - : وحيل بين هؤلاء المشركين حين فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ، فقالوا : آمنا به ( وبين ما يشتهون ) حينئذ من الإيمان بما كانوا به في الدنيا قبل ذلك يكفرون ، ولا سبيل لهم إليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني إسماعيل بن حفص الأبلي قال : ثنا المعتمر ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن في قوله ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : حيل بينهم وبين الإيمان بالله .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا مؤمل قال : ثنا سفيان ، عن عبد الصمد قال : سمعت الحسن ، وسئل عن هذه الآية ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : حيل بينهم وبين الإيمان .
حدثني ابن أبي زياد قال : ثنا يزيد قال : ثنا أبو الأشهب ، عن الحسن ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : حيل بينهم وبين الإيمان .
حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري قال : ثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : من الرجوع إلى الدنيا ليتوبوا .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) كان القوم يشتهون طاعة الله أن يكونوا عملوا بها في الدنيا حين عاينوا ما عاينوا .
حدثنا الحسن بن واضح قال : ثنا الحسن بن حبيب قال : ثنا أبو الأشهب ، عن الحسن في قوله ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : حيل بينهم وبين الإيمان .
وقال آخرون : معنى ذلك وحيل بينهم وبين ما يشتهون من مال وولد [ ص: 431 ] وزهرة الدنيا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى قال : ثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : من مال أو ولد أو زهرة .
حدثني يونس قال : قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال : في الدنيا التي كانوا فيها والحياة . وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك ; لأن القوم إنما تمنوا حين عاينوا من عذاب الله ما عاينوا ، ما أخبر الله عنهم أنهم تمنوه ، وقالوا آمنا به فقال الله : وأنى لهم تناوش ذلك من مكان بعيد ، وقد كفروا من قبل ذلك في الدنيا . فإذا كان ذلك كذلك فلأن يكون قوله ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) خبرا عن أنه لا سبيل لهم إلى ما تمنوه أولى من أن يكون خبرا عن غيره .
وقوله ( كما فعل بأشياعهم من قبل ) يقول : فعلنا بهؤلاء المشركين ; فحلنا بينهم وبين ما يشتهون من الإيمان بالله عند نزول سخط الله بهم ، ومعاينتهم بأسه ، كما فعلنا بأشياعهم على كفرهم بالله من قبلهم من كفار الأمم ; فلم نقبل منهم إيمانهم في ذلك الوقت ، كما لم نقبل في مثل ذلك الوقت من ضربائهم .
والأشياع : جمع شيع ، وشيع : جمع شيعة ; فأشياع جمع الجمع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح [ ص: 432 ] ( كما فعل بأشياعهم من قبل ) قال : الكفار من قبلهم .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( كما فعل بأشياعهم من قبل ) أي : في الدنيا ، كانوا إذا عاينوا العذاب لم يقبل منهم إيمان .
وقوله ( إنهم كانوا في شك مريب ) يقول - تعالى ذكره - : وحيل بين هؤلاء المشركين حين عاينوا بأس الله وبين الإيمان ; إنهم كانوا قبل في الدنيا في شك ، من نزول العذاب الذي نزل بهم وعاينوه ، وقد أخبرهم نبيهم أنهم إن لم ينيبوا مما هم عليه مقيمون من الكفر بالله ، وعبادة الأوثان ، أن الله مهلكهم ، ومحل بهم عقوبته في عاجل الدنيا ، وآجل الآخرة قبل نزوله بهم ، مريب يقول : موجب لصاحبه الذي هو به ما يريبه من مكروه ، من قولهم : قد أراب الرجل إذا أتى ريبة وركب فاحشة ، كما قال الراجز :
يا قوم ما لي وأبا ذؤيب؟ كنت إذا أتوته من غيب يشم عطفي ويبز ثوبي
كأنما أربته بريب
يقول : كأنما أتيت إليه ريبة .
آخر سورة سبإ