القول في تأويل قوله تعالى : ( الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ( 1 ) )
يقول - تعالى ذكره - : الشكر الكامل للمعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له ، ولا ينبغي أن تكون لغيره خالق السماوات السبع والأرض ، ( جاعل الملائكة رسلا ) إلى من يشاء من عباده ، وفيما شاء من أمره ونهيه ( أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ) يقول : أصحاب أجنحة يعني ملائكة ، فمنهم من له اثنان من الأجنحة ، ومنهم من له ثلاثة أجنحة ، ومنهم من له أربعة .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ) قال : بعضهم له جناحان ، وبعضهم ثلاثة ، وبعضهم أربعة .
واختلف أهل العربية في علة ترك إجراء مثنى وثلاث ورباع ، وهي ترجمة عن أجنحة ، وأجنحة نكرة فقال بعض نحويي البصرة : ترك إجراؤهن لأنهن مصروفات عن وجوههن ، وذلك أن مثنى مصروف عن اثنين ، وثلاث عن ثلاثة ، ورباع عن أربعة ، فصرف نظير عمر وزفر ، إذ صرف هذا عن عامر إلى عمر ، وهذا عن زافر إلى زفر ، وأنشد بعضهم في ذلك :
[ ص: 436 ]
ولقد قتلتكم ثناء وموحدا وتركت مرة مثل أمس المدبر
وقال آخر منهم : لم يصرف ذلك لأنه يوهم به الثلاثة والأربعة قال : وهذا لا يستعمل إلا في حال العدد .
وقال بعض نحويي الكوفة : هن مصروفات عن المعارف ، لأن الألف واللام لا تدخلها ، والإضافة لا تدخلها قال : ولو دخلتها الإضافة والألف واللام لكانت نكرة ، وهي ترجمة عن النكرة قال : وكذلك ما كان في القرآن مثل ( أن تقوموا لله مثنى وفرادى ) وكذلك وحاد وأحاد ، وما أشبهه من مصروف العدد .
وقوله ( يزيد في الخلق ما يشاء ) وذلك زيادته تبارك وتعالى في خلق هذا الملك من الأجنحة على الآخر ما يشاء ، ونقصانه عن الآخر ما أحب ، وكذلك ذلك في جميع خلقه يزيد ما يشاء في خلق ما شاء منه ، وينقص ما شاء من خلق ما شاء ، له الخلق والأمر وله القدرة والسلطان ( إن الله على كل شيء قدير ) يقول : إن الله - تعالى ذكره - قدير على زيادة ما شاء من ذلك فيما شاء ، ونقصان ما شاء منه ممن شاء ، وغير ذلك من الأشياء كلها ، لا يمتنع عليه فعل شيء أراده سبحانه وتعالى .