القول في ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) تأويل قوله تعالى (
قال أبو جعفر : وهذا أيضا خبر من الله تعالى ذكره عن إبراهيم وإسماعيل : أنهما كانا يرفعان القواعد من البيت وهما يقولان : "ربنا واجعلنا مسلمين لك " ، يعنيان بذلك : واجعلنا مستسلمين لأمرك ، خاضعين لطاعتك ، لا نشرك معك [ ص: 74 ] في الطاعة أحدا سواك ، ولا في العبادة غيرك .
وقد دللنا فيما مضى على أن معنى "الإسلام" : الخضوع لله بالطاعة .
وأما قوله : "ومن ذريتنا أمة مسلمة لك " ، فإنهما خصا بذلك بعض الذرية ، لأن الله تعالى ذكره قد كان أعلم إبراهيم خليله صلى الله عليه وسلم قبل مسألته هذه ، أن من ذريته من لا ينال عهده لظلمه وفجوره . فخصا بالدعوة بعض ذريتهما .
وقد قيل : إنهما عنيا بذلك العرب .
ذكر من قال ذلك :
2062 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن : "ومن ذريتنا أمة مسلمة لك " يعنيان العرب . السدي
قال أبو جعفر : وهذا قول يدل ظاهر الكتاب على خلافه . لأن ظاهره يدل على أنهما دعوا الله أن يجعل من ذريتهما أهل طاعته وولايته ، والمستجيبين لأمره . وقد كان في ولد إبراهيم العرب وغير العرب ، والمستجيب لأمر الله والخاضع له بالطاعة ، من الفريقين . فلا وجه لقول من قال : عنى إبراهيم بدعائه ذلك فريقا من ولده بأعيانهم دون غيرهم ، إلا التحكم الذي لا يعجز عنه أحد .
وأما "الأمة" في هذا الموضع ، فإنه يعني بها الجماعة من الناس ، من قول الله : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ سورة الأعراف : 159 ] . [ ص: 75 ]