القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون    ( 45 ) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين   ( 46 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله ، المكذبين رسوله محمدا   - صلى الله عليه وسلم - : احذروا ما مضى بين أيديكم من نقم الله ومثلاته بمن حل ذلك به من الأمم قبلكم أن يحل مثله بكم بشرككم وتكذيبكم رسوله . ( وما خلفكم )  [ ص: 526 ] يقول : وما بعد هلاككم مما أنتم لاقوه إن هلكتم على كفركم الذي أنتم عليه ( لعلكم ترحمون ) يقول : ليرحمكم ربكم إن أنتم حذرتم ذلك ، واتقيتموه بالتوبة من شرككم والإيمان به ، ولزوم طاعته فيما أوجب عليكم من فرائضه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله ( وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم   ) : وقائع الله فيمن خلا قبلهم من الأمم وما خلفهم من أمر الساعة  . 
وكان مجاهد  يقول في ذلك ما حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ;  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله ( ما بين أيديكم ) قال : ما مضى من ذنوبهم ، وهذا القول قريب المعنى من القول الذي قلنا ، لأن معناه : اتقوا عقوبة ما بين أيديكم من ذنوبكم ، وما خلفكم مما تعملون من الذنوب ولم تعملوه بعد ، فذلك بعد تخويف لهم العقاب على كفرهم . 
وقوله ( وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين   ) يقول - تعالى ذكره - : وما تجيء هؤلاء المشركين من قريش آية ، يعني حجة من حجج الله ، وعلامة من علاماته على حقيقة توحيده ، وتصديق رسوله ، إلا كانوا عنها معرضين ، لا يتفكرون فيها ، ولا يتدبرونها ، فيعلموا بها ما احتج الله عليهم بها . 
فإن قال قائل : وأين جواب قوله ( وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم   ) ؟ قيل : جوابه وجواب قوله ( وما تأتيهم من آية من آيات ربهم   ) . . . قوله ( إلا كانوا عنها معرضين   ) لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله ، فاكتفي بالجواب عن قوله ( اتقوا ما بين أيديكم   ) وعن قوله ( وما تأتيهم من آية   ) بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك ، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا  [ ص: 527 ] ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا ، وإذا أتتهم آية أعرضوا . 
				
						
						
