القول في تأويل قوله تعالى : ( وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ( 41 ) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ( 42 ) وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون ( 43 ) إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ( 44 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ودليل لهم أيضا ، وعلامة على حملنا ذريتهم ، يعني من نجا من ولد قدرتنا على كل ما نشاء آدم في سفينة نوح ، وإياها عنى - جل ثناؤه - بالفلك المشحون ; والفلك : هي السفينة ، والمشحون : المملوء الموقر .
[ ص: 522 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ) يقول : الممتلئ .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( في الفلك المشحون ) يعني المثقل .
حدثني سليمان بن عبد الجبار قال : ثنا محمد بن الصلت قال : ثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن سعيد ( الفلك المشحون ) قال : الموقر .
حدثنا عمران بن موسى قال : ثنا عبد الوارث قال : ثنا يونس ، عن الحسن في قوله ( المشحون ) قال : المحمول .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ) يعني : سفينة نوح عليه السلام .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ) الموقر ، يعني سفينة نوح .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( الفلك المشحون ) قال : الفلك المشحون : المركب الذي كان فيه نوح ، والذرية التي كانت في ذلك المركب ; قال : والمشحون : الذي قد شحن ، الذي قد جعل فيه ليركبه أهله ، جعلوا فيه ما يريدون ، فربما امتلأ وربما لم يمتلئ .
حدثنا الفضل بن الصباح قال : ثنا عن محمد بن فضيل ، عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أتدرون ما الفلك المشحون؟ قلنا : لا قال : هو الموقر .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي قال : ثنا هارون ، عن جويبر ، عن [ ص: 523 ] الضحاك في قوله ( الفلك المشحون ) قال : الموقر .
وقوله ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) يقول - تعالى ذكره - : وخلقنا لهؤلاء المشركين المكذبيك يا محمد ، تفضلا منا عليهم ، من مثل ذلك الفلك الذي كنا حملنا من ذرية آدم من حملنا فيه الذي يركبونه من المراكب .
ثم اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله ( ما يركبون ) فقال بعضهم : هي السفن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الفضل بن الصباح قال : ثنا عن محمد بن فضيل ، عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : تدرون ما ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) ؟ قلنا : لا . قال : هي السفن جعلت من بعد سفينة نوح على مثلها .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا يحيى قال : ثنا سفيان ، عن عن السدي ، أبي مالك في قوله ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) قال : السفن الصغار .
قال : ثنا ابن بشار قال : ثنا يحيى قال : ثنا سفيان ، عن عن السدي ، أبي مالك في قوله ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) قال : السفن الصغار ، ألا ترى أنه قال ( وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ) ؟
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن في هذه الآية ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) قال : السفن الصغار .
حدثنا حاتم بن بكر الضبي قال : ثنا عثمان بن عمر ، عن شعبة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح : ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) قال : السفن الصغار .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) يعني : السفن التي اتخذت [ ص: 524 ] بعدها ، يعني بعد سفينة نوح .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) قال : هي السفن التي ينتفع بها .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) قال : وهي هذه الفلك .
حدثني يونس قال : ثنا محمد بن عبيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) قال : نعم من مثل سفينة .
وقال آخرون : بل عني بذلك الإبل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثنا أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) يعني : الإبل ، خلقها الله كما رأيت ، فهي سفن البر ، يحملون عليها ويركبونها .
حدثنا نصر بن علي قال : ثنا غندر ، عن عثمان بن غياث ، عن عكرمة ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) قال : الإبل .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن قال : قال السدي ( عبد الله بن شداد وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) هي الإبل .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) قال : من الأنعام .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال الحسن : هي الإبل .
وأشبه القولين بتأويل ذلك قول من قال : عني بذلك السفن ، وذلك لدلالة [ ص: 525 ] قوله ( وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ) على أن ذلك كذلك ، وذلك أن الغرق معلوم أن لا يكون إلا في الماء ، ولا غرق في البر .
وقوله ( وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ) يقول - تعالى ذكره - : وإن نشأ نغرق هؤلاء المشركين إذا ركبوا الفلك في البحر ( فلا صريخ لهم ) يقول : فلا مغيث لهم إذا نحن غرقناهم يغيثهم ، فينجيهم من الغرق .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ) أي : لا مغيث
وقوله ( ولا هم ينقذون ) يقول : ولا هو ينقذهم من الغرق شيء إن نحن أغرقناهم في البحر ، إلا أن ننقذهم نحن رحمة منا لهم ، فننجيهم منه .
وقوله ( ومتاعا إلى حين ) يقول : ولنمتعهم إلى أجل هم بالغوه ، فكأنه قال : ولا هم ينقذون ، إلا أن نرحمهم فنمتعهم إلى أجل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ومتاعا إلى حين ) أي : إلى الموت .