القول في تأويل قوله تعالى : ( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور ( 7 ) )
اختلف أهل التأويل في إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر ) فقال بعضهم : ذلك لخاص من الناس ، ومعناه : إن تكفروا أيها المشركون بالله ، فإن الله غني عنكم ، ولا يرضى لعباده المؤمنين الذين أخلصهم لعبادته وطاعته الكفر . تأويل قوله : (
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر ) يعني الكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ، فيقولوا : لا إله إلا الله ، ثم قال : ( ولا يرضى لعباده الكفر ) وهم عباده المخلصون الذين قال فيهم : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله وحببها إليهم .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي ولا يرضى لعباده الكفر ) قال : لا يرضى لعباده المؤمنين أن يكفروا .
وقال آخرون : بل ذلك عام لجميع الناس ، ومعناه : أيها الناس إن تكفروا ، فإن الله غني عنكم ، ولا يرضى لكم أن تكفروا به .
والصواب من القول في ذلك ما قال الله جل وعز : إن تكفروا بالله أيها [ ص: 261 ] الكفار به ، فإن الله غني عن إيمانكم وعبادتكم إياه ، ولا يرضى لعباده الكفر ، بمعنى : ولا يرضى لعباده أن يكفروا به ، كما يقال : لست أحب الظلم ، وإن أحببت أن يظلم فلان فلانا فيعاقب .
وقوله : ( وإن تشكروا يرضه لكم ) يقول : وإن تؤمنوا بربكم وتطيعوه يرض شكركم له ، وذلك هو إيمانهم به وطاعتهم إياه ، فكنى عن الشكر ولم يذكر ، وإنما ذكر الفعل الدال عليه ، وذلك نظير قوله : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا ) بمعنى : فزادهم قول الناس لهم ذلك إيمانا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي وإن تشكروا يرضه لكم ) قال : إن تطيعوا يرضه لكم .
وقوله : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) يقول : لا تأثم آثمة إثم آثمة أخرى غيرها ، ولا تؤاخذ إلا بإثم نفسها ، يعلم عز وجل عباده أن على كل نفس ما جنت ، وأنها لا تؤاخذ بذنب غيرها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي ولا تزر وازرة وزر أخرى ) قال : . لا يؤخذ أحد بذنب أحد
وقوله : ( ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون ) يقول - تعالى ذكره - : ثم بعد اجتراحكم في الدنيا ما اجترحتم من صالح وسيئ ، وإيمان وكفر أيها الناس ، إلى ربكم مصيركم من بعد وفاتكم ، ( فينبئكم ) يقول : فيخبركم بما كنتم في الدنيا تعملونه من خير وشر ، فيجازيكم على كل ذلك جزاءكم ، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بما يستحقه ، يقول عز وجل لعباده : فاتقوا أن تلقوا [ ص: 262 ] ربكم وقد عملتم في الدنيا بما لا يرضاه منكم فتهلكوا ، فإنه لا يخفى عليه عمل عامل منكم .
وقوله : ( إنه عليم بذات الصدور ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله لا يخفى عليه ما أضمرته صدوركم أيها الناس مما لا تدركه أعينكم ، فكيف بما أدركته العيون ورأته الأبصار . وإنما يعني جل وعز بذلك الخبر عن أنه لا يخفى عليه شيء ، وأنه محص على عباده أعمالهم ، ليجازيهم بها كي يتقوه في سر أمورهم وعلانيتها .