يقول - تعالى ذكره - : وإذا مس الإنسان بلاء في جسده من مرض ، أو عاهة ، أو شدة في معيشته ، وجهد وضيق ( دعا ربه ) يقول : استغاث بربه الذي خلقه من شدة ذلك ، ورغب إليه في كشف ما نزل به من شدة ذلك . وقوله : ( منيبا إليه ) يقول : تائبا إليه مما كان من قبل ذلك عليه من الكفر به ، وإشراك الآلهة والأوثان به في عبادته - راجعا إلى طاعته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وإذا مس الإنسان ضر ) قال : الوجع والبلاء والشدة ( دعا ربه منيبا إليه ) قال : مستغيثا به .
وقوله : ( ثم إذا خوله نعمة منه ) يقول - تعالى ذكره - : ثم إذا منحه ربه نعمة منه ، يعني عافية ، فكشف عنه ضره ، وأبدله بالسقم صحة ، وبالشدة رخاء .
[ ص: 263 ] والعرب تقول لكل من أعطى غيره من مال أو غيره : قد خوله ، ومنه قول أبي النجم العجلي :
أعطى فلم يبخل ولم يبخل كوم الذرا من خول المخول
وحدثت عن أنه قال : سمعت أبي عبيدة معمر بن المثنى أبا عمرو يقول في بيت زهير :
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
قال معمر : قال يونس : إنما سمعناه :
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا
قال : وهي بمعناها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن [ ص: 264 ] ( السدي ثم إذا خوله نعمة منه ) : إذا أصابته عافية أو خير .
وقوله : ( نسي ما كان يدعو إليه من قبل ) يقول : ترك دعاءه الذي كان يدعو إلى الله من قبل أن يكشف ما كان به من ضر ( وجعل لله أندادا ) يعني : شركاء . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( نسي ) يقول : ترك ، هذا في الكافر خاصة . السدي
ول " ما " التي في قوله : ( نسي ما كان ) وجهان : أحدهما : أن يكون بمعنى الذي ، ويكون معنى الكلام حينئذ : ترك الذي كان يدعوه في حال الضر الذي كان به ، يعني به الله - تعالى ذكره - فتكون " ما " موضوعة عند ذلك موضع " من " كما قيل : ( ولا أنتم عابدون ما أعبد ) يعني به الله ، وكما قيل : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) . والثاني : أن يكون بمعنى المصدر على ما ذكرت . وإذا كانت بمعنى المصدر ، كان في الهاء التي في قوله : ( إليه ) وجهان : أحدهما : أن يكون من ذكر ما . والآخر : من ذكر الرب .
وقوله : ( وجعل لله أندادا ) يقول : وجعل لله أمثالا وأشباها .
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي جعلوها فيه له أندادا ، قال بعضهم : جعلوها له أندادا في طاعتهم إياه في معاصي الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي وجعل لله أندادا ) قال : الأنداد من الرجال : يطيعونهم في معاصي الله .
وقال آخرون : عنى بذلك أنه عبد الأوثان ، فجعلها لله أندادا في عبادتهم إياها .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى به أنه أطاع الشيطان [ ص: 265 ] في عبادة الأوثان ، فجعل له الأوثان أندادا ، لأن ذلك في سياق عتاب الله إياهم له على عبادتها .
وقوله : ( ليضل عن سبيله ) يقول : ليزيل من أراد أن يوحد الله ويؤمن به عن توحيده ، والإقرار به ، والدخول في الإسلام . وقوله : ( قل تمتع بكفرك قليلا ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا محمد لفاعل ذلك : تمتع بكفرك بالله قليلا إلى أن تستوفي أجلك ، فتأتيك منيتك ( إنك من أصحاب النار ) : أي إنك من أهل النار الماكثين فيها . وقوله : ( تمتع بكفرك ) : وعيد من الله وتهدد .