إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ( 40 ) القول في تأويل قوله تعالى : ( يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون ( 41 ) إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم ( 42 ) )
يقول - تعالى ذكره - : إن يوم فصل الله القضاء بين خلقه بما أسلفوا في دنياهم من خير أو شر يجزي به المحسن بالإحسان ، والمسيء بالإساءة ( ميقاتهم أجمعين ) : يقول : ميقات اجتماعهم أجمعين .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ) يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم . [ ص: 42 ]
وقوله ( يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ) يقول : لا يدفع ابن عم عن ابن عم ، ولا صاحب عن صاحبه شيئا من عقوبة الله التي حلت بهم من الله ( ولا هم ينصرون ) يقول : ولا ينصر بعضهم بعضا ، فيستعيذوا ممن نالهم بعقوبة كما كانوا يفعلونه في الدنيا .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ) . . . الآية ، انقطعت الأسباب يومئذ يا ابن آدم ، وصار الناس إلى أعمالهم ، فمن أصاب يومئذ خيرا سعد به آخر ما عليه ، ومن أصاب يومئذ شرا شقي به آخر ما عليه .
وقوله ( إلا من رحم الله ) اختلف أهل العربية في موضع " من" في قوله : ( إلا من رحم الله ) فقال بعض نحويي البصرة : إلا من رحم الله ، فجعله بدلا من الاسم المضمر في ينصرون ، وإن شئت جعلته مبتدأ وأضمرت خبره ، يريد به : إلا من رحم الله فيغني عنه . وقال بعض نحويي الكوفة قوله ( إلا من رحم الله ) قال : المؤمنون يشفع بعضهم في بعض ، فإن شئت فاجعل " من" في موضع رفع ، كأنك قلت : لا يقوم أحد إلا فلان ، وإن شئت جعلته نصبا على الاستثناء والانقطاع عن أول الكلام ، يريد : اللهم إلا من رحم الله .
وقال آخرون منهم : معناه لا يغني مولى عن مولى شيئا ، إلا من أذن الله له أن يشفع; قال : لا يكون بدلا مما في ينصرون ؛ لأن إلا محقق ، والأول منفي ، والبدل لا يكون إلا بمعنى الأول . قال : وكذلك لا يجوز أن يكون مستأنفا ؛ لأنه لا يستأنف بالاستثناء .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون في موضع رفع بمعنى : يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا إلا من رحم الله منهم ، فإنه يغني عنه بأن يشفع له عند ربه .
وقوله ( إنه هو العزيز الرحيم ) يقول - جل ثناؤه - واصفا نفسه : إن الله هو العزيز في انتقامه من أعدائه ، الرحيم بأوليائه ، وأهل طاعته .