[ ص: 43 ] القول في إن شجرة الزقوم ( 43 ) تأويل قوله تعالى : ( طعام الأثيم ( 44 ) كالمهل يغلي في البطون ( 45 ) كغلي الحميم ( 46 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ( إن شجرة الزقوم ) التي أخبر أنها تنبت في أصل الجحيم ، التي جعلها طعاما لأهل الجحيم ، ثمرها فى الجحيم طعام الآثم في الدنيا بربه ، والأثيم : ذو الإثم ، والإثم من أثم يأثم فهو أثيم . وعنى به في هذا الموضع : الذي إثمه الكفر بربه دون غيره من الآثام .
وقد حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همام بن الحارث ، أن أبا الدرداء كان يقرئ رجلا ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) فقال : طعام اليتيم ، فقال أبو الدرداء : قل إن شجرة الزقوم طعام الفاجر .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : " لو أن قطرة من زقوم جهنم أنزلت إلى الدنيا ، لأفسدت على الناس معايشهم" .
حدثني أبو السائب قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همام قال : كان أبو الدرداء يقرئ رجلا ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) قال : فجعل الرجل يقول : إن شجرة الزقوم طعام اليتيم; قال : فلما أكثر عليه أبو الدرداء ، فرآه لا يفهم ، قال : إن شجرة الزقوم طعام الفاجر .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) قال : أبو جهل .
وقوله ( كالمهل يغلي في البطون ) يقول - تعالى ذكره - : إن شجرة الزقوم التي جعل ثمرتها طعام الكافر في جهنم ، كالرصاص أو الفضة ، أو ما يذاب فى النار إذا أذيب بها ، فتناهت حرارته ، وشدت حميته في شدة السواد .
وقد بينا معنى المهل فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع من [ ص: 44 ] الشواهد ، وذكر اختلاف أهل التأويل فيه ، غير أنا نذكر من أقوال أهل العلم في هذا الموضع ما لم نذكره هناك .
حدثنا سليمان بن عبد الجبار قال : ثنا محمد بن الصلت قال : ثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، قال : سألت ابن عباس ، عن قول الله - جل ثناؤه - ( كالمهل ) قال : كدردي الزيت .
حدثني علي بن سهل قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( كالمهل يغلي في البطون ) يقول : أسود كمهل الزيت .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ويعقوب بن إبراهيم ، قالوا : ثنا ابن إدريس قال : سمعت مطرفا ، عن عطية بن سعد ، عن ابن عباس في قوله : ( كالمهل ) ماء غليظ كدردي الزيت .
حدثني يحيى بن طلحة قال : ثنا عبد الصمد قال : ثنا شعبة قال : ثنا ابن إدريس قال : سمعت مطرفا ، عن عطية بن سعد ، عن ابن عباس في قوله ( كالمهل ) قال : كدردي الزيت .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى عبد الصمد قال : ثنا شعبة قال : ثنا خليد ، عن الحسن ، عن ابن عباس ، أنه رأى فضة قد أذيبت ، فقال : هذا المهل .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا أبو معاوية قال : ثنا عمرو بن ميمون عن أبيه ، عن عبد الله في قوله : ( كالمهل يشوي الوجوه ) قال : دخل عبد الله بيت المال ، فأخرج بقايا كانت فيه ، فأوقد عليها النار حتى تلألأت ، قال : أين السائل عن المهل ، هذا المهل .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا ابن أبي عدي : وحدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى خالد بن الحارث ، عن عوف ، عن الحسن قال : بلغني أن ابن مسعود سئل عن المهل الذي يقولون يوم القيامة شراب أهل النار ، وهو على بيت المال ، [ ص: 45 ] قال : فدعا بذهب وفضة فأذابهما ، فقال : هذا أشبه شيء في الدنيا بالمهل الذي هو لون السماء يوم القيامة ، وشراب أهل النار ، غير أن ذلك هو أشد حرا من هذا . لفظ الحديث لابن بشار وحديث نحوه . ابن المثنى
حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا : ثنا ابن إدريس قال : أخبرنا أشعث ، عن الحسن قال : كان من كلامه أن رجل أكرمه الله بصحبة عبد الله بن مسعود محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن عمر رضي الله عنه استعمله على بيت المال ، قال : فعمد إلى فضة كثيرة مكسرة ، فخد لها أخدودا ، ثم أمر بحطب جزل فأوقد عليها ، حتى إذا اماعت وتزبدت وعادت ألوانا ، قال : انظروا من بالباب ، فأدخل القوم فقال لهم : هذا أشبه ما رأينا في الدنيا بالمهل .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) . . . الآية ، ذكر لنا أن ابن مسعود أهديت له سقاية من ذهب وفضة ، فأمر بأخدود فخدت في الأرض ، ثم قذف فيها من جزل الحطب ، ثم قذفت فيها تلك السقاية ، حتى إذا أزبدت وانماعت قال لغلامه : ادع من بحضرتنا من أهل الكوفة ، فدعا رهطا ، فلما دخلوا قال : أترون هذا ؟ قالوا نعم ، قال : ما رأينا في الدنيا شبيها للمهل أدنى من الذهب والفضة حين أزبد وانماع .
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : ثنا ابن يمان قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن سفيان الأسدي قال : أذاب فضة ، ثم قال : من أراد أن ينظر إلى المهل فلينظر إلى هذا . عبد الله بن مسعود
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله ( يوم تكون السماء كالمهل ) قال : كدردي الزيت .
حدثني يحيى بن طلحة قال : ثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : ( كالمهل ) قال : كدردي الزيت .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى يعمر بن بشر قال : ثنا ابن المبارك قال : [ ص: 46 ] ثنا أبو الصباح قال : سمعت يقول : سمعت يزيد بن أبي سمية ابن عمر يقول : هل تدرون ما المهل ؟ المهل مهل الزيت ، يعني آخره .
قال : ثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني قال : ثنا ابن المبارك قال : أخبرنا أبو الصباح الأيلي ، عن ، عن يزيد بن أبي سمية ابن عمر بمثله .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ، عن رشدين بن سعد عمرو بن الحارث ، عن دراج أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ( بماء كالمهل ) " كعكر الزيت ، فإذا قربه إلى وجهه ، سقطت فروة وجهه فيه" .
قال : ثنا قال : ثنا محمد بن المثنى يعمر بن بشر قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا قال : ثني رشدين بن سعد عمرو بن الحارث ، عن أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . أبي سعيد الخدري
وقوله ( في البطون ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة والكوفة " تغلي" بالتاء ، بمعنى أن شجرة الزقوم تغلي في بطونهم ، فأنثوا تغلي لتأنيث الشجرة . وقرأ ذلك بعض قراء أهل الكوفة ( يغلي ) بمعنى : طعام الأثيم يغلي ، أو المهل يغلي ، فذكره بعضهم لتذكير الطعام ، ووجه معناه إلى أن الطعام هو الذي يغلي في بطونهم وبعضهم لتذكير المهل ، ووجهه إلى أنه صفة للمهل الذي يغلي .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ( كغلي الحميم ) يقول : يغلي ذلك في بطون هؤلاء الأشقياء كغلي الماء المحموم ، وهو المسخن الذي قد أوقد عليه حتى تناهت شدة حره ، وقيل : حميم وهو محموم ، لأنه مصروف من مفعول إلى فعيل ، كما يقال : قتيل من مقتول .