القول في تأويل قوله تعالى : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون    ( 20 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : ( ويوم يعرض الذين كفروا بالله على النار   ) يقال لهم ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها   ) فيها . 
كما حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار   ) قرأ يزيد  حتى بلغ ( وبما كنتم تفسقون   ) تعلمون والله أن أقواما يشترطون حسناتهم ، استبقى رجل طيباته إن استطاع ، ولا قوة إلا بالله . ذكر أن  عمر بن الخطاب  كان يقول : لو شئت كنت أطيبكم طعاما ، وألينكم لباسا ، ولكني أستبقي طيباتي . وذكر لنا أنه لما قدم الشأم  ، صنع له طعام لم ير قبله مثله ، قال : هذا لنا ، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير ؟ قال خالد بن الوليد   : لهم الجنة ، فاغرورقت عينا عمر  ، وقال : لئن كان حظنا في الحطام ، وذهبوا - قال أبو جعفر  فيما أرى أنا - بالجنة ، لقد باينونا بونا بعيدا . 
وذكر لنا " أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أهل الصفة   - مكان يجتمع فيه فقراء المسلمين - وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ، ما يجدون لها رقاعا ، قال : أنتم اليوم خير ، أو يوم يغدو أحدكم في حلة ، ويروح في أخرى ، ويغدى عليه بحفنة ، ويراح عليه بأخرى ، ويستر بيته كما تستر الكعبة   . قالوا : نحن يومئذ  [ ص: 121 ] خير ، قال : " بل أنتم اليوم خير" . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قال : حدثنا صاحب لنا عن  أبي هريرة  قال : إنما كان طعامنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الأسودين : الماء ، والتمر ، والله ما كنا نرى سمراءكم هذه ، ولا ندري ما هي . 
قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  ، عن أبي بردة بن عبد الله بن قيس الأشعري  ، عن أبيه ، قال : أي بني لو شهدتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن مع نبينا إذا أصابتنا السماء ، حسبت أن ريحنا ريح الضأن ، إنما كان لباسنا الصوف . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قول الله - عز وجل - ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا   ) . . . إلى آخر الآية ، ثم قرأ ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون   ) وقرأ ( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها   ) وقرأ ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد   ) . . . إلى آخر الآية ، وقال : هؤلاء الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا . 
واختلفت القراء في قراءة قوله ( أذهبتم طيباتكم   ) ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( أذهبتم ) بغير استفهام ، سوى أبي جعفر القارئ  ، فإنه قرأه بالاستفهام ، والعرب تستفهم بالتوبيخ ، وتترك الاستفهام فيه ، فتقول : أذهبت ففعلت كذا وكذا ، وذهبت ففعلت وفعلت . وأعجب القراءتين إلي ترك الاستفهام فيه ، لإجماع الحجة من القراء عليه ، ولأنه أفصح اللغتين . 
وقوله ( فاليوم تجزون عذاب الهون   ) يقول - تعالى ذكره - : يقال لهم : فاليوم أيها الكافرون الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا تجزون : أي تثابون عذاب الهون ، يعني عذاب الهوان ، وذلك عذاب النار الذي يهينهم . كما حدثنا محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى   ;  [ ص: 122 ] وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   ( عذاب الهون   ) قال : الهوان  ( بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق   ) يقول : بما كنتم تتكبرون في الدنيا على ظهر الأرض على ربكم ، فتأبون أن تخلصوا له العبادة ، وأن تذعنوا لأمره ونهيه بغير الحق ، أي بغير ما أباح لكم ربكم ، وأذن لكم به ( وبما كنتم تفسقون   ) يقول : بما كنتم فيها تخالفون طاعته فتعصونه . 
				
						
						
