يعني - تعالى ذكره - بقوله ( ادخلوها بسلام ) ادخلوا هذه الجنة بأمان من الهم والغضب والعذاب ، وما كنتم تلقونه في الدنيا من المكاره .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( ادخلوها بسلام ) قال : سلموا من عذاب الله ، وسلم عليهم .
وقوله ( ذلك يوم الخلود ) يقول : هذا الذي وصفت لكم أيها الناس صفته من إدخالي الجنة من أدخله ، هو يوم دخول الناس الجنة ، ماكثين فيها إلى غير نهاية .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ذلك يوم الخلود ) خلدوا والله ، فلا يموتون ، وأقاموا فلا يظعنون ، ونعموا فلا يبأسون .
وقوله ( لهم ما يشاءون فيها ) يقول : لهؤلاء المتقين ما يريدون في هذه الجنة التي أزلفت لهم من كل ما تشتهيه نفوسهم ، وتلذه عيونهم .
وقوله ( ولدينا مزيد ) يقول : وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه [ ص: 367 ] الكرامة التي وصف جل ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه . وقيل : إن ذلك المزيد : النظر إلى الله جل ثناؤه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أحمد بن سهيل الواسطي قال : ثنا قرة بن عيسى قال : ثنا النضر بن عربي عن جده ، عن أنس ، " إبراهيم قد أذن له على الله . قال : ثم أذن لرجل آخر على الله ، بين يديه أمثال الجبال من النور يسمع دوي تسبيح الملائكة معه ، وصفق أجنحتهم; فمد أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أذن له على الله؟ فقيل : هذا الذي اصطفاه الله برسالته وقربه نجيا ، وكلمه [ كلاما ] موسى عليه السلام ، قد أذن له على الله . قال : ثم يؤذن لرجل آخر معه مثل جميع مواكب النبيين قبله ، بين يديه أمثال الجبال ، [ من النور ] يسمع دوي تسبيح الملائكة معه ، وصفق أجنحتهم; فمد أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أذن له على الله؟ فقيل : هذا أول شافع ، وأول مشفع ، وأكثر [ ص: 368 ] الناس واردة ، وسيد ولد آدم ; وأول من تنشق عن ذؤابتيه الأرض ، وصاحب لواء الحمد ، أحمد - صلى الله عليه وسلم - ، قد أذن له على الله . قال : فجلس النبيون على منابر النور ، [ والصديقون على سرر النور ; والشهداء على كراسي النور ] وجلس سائر الناس على كثبان المسك الأذفر الأبيض ، ثم ناداهم الرب تعالى من وراء الحجب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي . يا ملائكتي ، انهضوا إلى عبادي ، فأطعموهم . قال : فقربت إليهم من لحوم طير ، كأنها البخت لا ريش لها ولا عظم ، فأكلوا ، قال : ثم ناداهم الرب من وراء الحجاب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي ، أكلوا اسقوهم . قال : فنهض إليهم غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون بأباريق الذهب والفضة بأشربة مختلفة لذيذة ، لذة آخرها كلذة أولها ، لا يصدعون عنها ولا ينزفون; ثم ناداهم الرب من وراء الحجب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي ، أكلوا وشربوا ، فكهوهم . قال : فيقرب إليهم على أطباق مكللة بالياقوت والمرجان; ومن الرطب الذي سمى الله ، أشد بياضا من اللبن ، وأطيب عذوبة من العسل . قال : فأكلوا ثم ناداهم الرب من وراء الحجب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي ، أكلوا وشربوا ، وفكهوا; اكسوهم; قال ففتحت لهم ثمار الجنة بحلل مصقولة بنور الرحمن فألبسوها . قال : ثم ناداهم الرب تبارك وتعالى من وراء الحجب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي; أكلوا ، وشربوا ، وفكهوا ، وكسوا؛ طيبوهم . قال : فهاجت عليهم ريح يقال لها المثيرة ، بأباريق المسك [ الأبيض ] الأذفر ، فنفحت على وجوههم من غير غبار ولا قتام . قال : ثم ناداهم الرب عز وجل من وراء الحجب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي ، أكلوا وشربوا وفكهوا ، وكسوا وطيبوا ، وعزتي لأتجلين لهم حتى ينظروا إلي قال : فذلك انتهاء العطاء وفضل المزيد; قال : فتجلى لهم الرب عز [ ص: 369 ] وجل ، ثم قال : السلام عليكم عبادي ، انظروا إلي فقد رضيت عنكم . قال : فتداعت قصور الجنة وشجرها : سبحانك أربع مرات ، وخر القوم سجدا; قال : فناداهم الرب تبارك وتعالى : عبادي ، ارفعوا رءوسكم فإنها ليست بدار عمل ، ولا دار نصب؛ إنما هي دار جزاء وثواب ، وعزتي وجلالي ما خلقتها إلا من أجلكم ، وما من ساعة ذكرتموني فيها في دار الدنيا ، إلا ذكرتكم فوق عرشي " . إن الله عز وجل إذا أسكن أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، هبط إلى مرج من الجنة أفيح ، فمد بينه وبين خلقه حجبا من لؤلؤ ، وحجبا من نور ثم وضعت منابر النور وسرر النور وكراسي النور ، ثم أذن لرجل على الله عز وجل بين يديه أمثال الجبال من النور يسمع دوي تسبيح الملائكة معه ، وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أذن له على الله؟ فقيل : هذا المجعول بيده ، والمعلم الأسماء ، والذي أمرت الملائكة فسجدت له ، والذي له أبيحت الجنة ، آدم عليه السلام ، قد أذن له على الله تعالى; قال : ثم يؤذن لرجل آخر بين يديه أمثال الجبال من النور ، يسمع دوي تسبيح الملائكة معه ، وصفق أجنحتهم; فمد أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أذن له على الله؟ فقيل : هذا الذي اتخذه الله خليلا وجعل عليه النار بردا وسلاما ،
حدثنا علي بن الحسين بن أبجر قال : ثنا قال : ثنا عمر بن يونس اليمامي جهضم بن عبد الله بن أبي الطفيل قال : ثني أبو طيبة ، عن معاوية العبسي ، عن عثمان بن عمير ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " جبريل عليه السلام في كفه مرآة بيضاء ، فيها نكتة سوداء فقلت : يا جبريل ما هذه؟ قال : هذه الجمعة ، قلت : فما هذه النكتة السوداء فيها؟ قال : هي الساعة تقوم يوم الجمعة وهو سيد الأيام عندنا ، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد; قلت : ولم تدعون يوم المزيد قال : إن ربك تبارك وتعالى اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة نزل من عليين على كرسيه ، ثم حف الكرسي بمنابر من نور ، ثم جاء النبيون حتى يجلسوا عليها ثم تجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثب فيتجلى لهم ربهم عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه وهو يقول : أنا الذي صدقتكم عدتي ، وأتممت عليكم نعمتي ، فهذا محل كرامتي ، فسلوني ، فيسألونه الرضا ، فيقول : رضاي أحلكم داري وأنالكم كرامتي ، فسلوني ، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ، فيفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، إلى مقدار منصرف الناس من الجمعة حتى يصعد على كرسيه فيصعد معه الصديقون والشهداء ، وترجع أهل الجنة إلى غرفهم درة بيضاء ، لا نظم فيها ولا فصم ، أو ياقوتة حمراء ، أو زبرجدة خضراء ، منها غرفها وأبوابها ، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ، ليزدادوا منه كرامة ، وليزدادوا نظرا إلى وجهه ، ولذلك دعي يوم المزيد " . [ ص: 370 ] أتاني
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن ليث بن أبي سليم ، عن عثمان بن عمير ، عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، نحو حديث علي بن الحسين .
حدثنا الربيع بن سليمان قال : ثنا أسد بن موسى قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن صالح بن حيان ، عن أبي بريدة ، عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا قال : أخبرنا ابن علية ابن عون ، عن محمد قال : حدثنا ، أو قال : " ابن عمر : ذلك لك وعشرة أمثاله ، وعند الله مزيد " . قالوا : إن أدنى أهل الجنة منزلة ، الذي يقال له تمن ، ويذكره أصحابه فيتمنى ، ويذكره أصحابه فيقال له ذلك ومثله معه . قال : قال
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح ، حدثه عن أبي الهيثم ، عن ، أنه قال عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبي سعيد الخدري " . إن الرجل في الجنة ليتكئ سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأته فتضرب على منكبيه ، فينطر وجهه في خدها أصفى من المرآة ، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب ، فتسلم عليه ، فيرد السلام ، ويسألها من أنت؟ فتقول : أنا من المزيد وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك ، وإن عليها من التيجان ، وإن أدنى لؤلؤة فيها لتضيء ما بين المشرق والمغرب
وقوله ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن ) يقول - تعالى ذكره - : وكثيرا أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش من القرون ، ( هم أشد ) من قريش الذين كذبوا محمدا ( بطشا فنقبوا في البلاد ) يقول : فخرقوا البلاد فساروا فيها ، فطافوا [ ص: 371 ] وتوغلوا إلى الأقاصي منها; قال امرؤ القيس :
لقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( فنقبوا في البلاد ) قال : أثروا .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( فنقبوا في البلاد ) قال : يقول : عملوا في البلاد ذاك النقب .
ذكر من قال ذلك :
وقوله ( هل من محيص ) يقول جل ثناؤه : فهل كان لهم بتنقبهم في البلاد من معدل عن الموت; ومنجى من الهلاك إذ جاءهم أمرنا .
وأضمرت " كان " في هذا الموضع ، كما أضمرت في قوله ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم ) بمعنى : فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم . وقرأت القراء قوله ( فنقبوا ) بالتشديد وفتح القاف على وجه الخبر [ ص: 372 ] عنهم . وذكر عن أنه كان يقرأ ذلك ( فنقبوا ) بكسر القاف على وجه التهديد والوعيد : أي طوفوا في البلاد ، وترددوا فيها ، فإنكم لن تفوتونا بأنفسكم . يحيى بن يعمر
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( من محيص ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن ) . . . حتى بلغ ( هل من محيص ) قد حاص الفجرة فوجدوا أمر الله متبعا .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قوله ( فنقبوا في البلاد هل من محيص ) قال : حاص أعداء الله ، فوجدوا أمر الله لهم مدركا .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( هل من محيص ) قال : هل من منج .