القول في تأويل قوله تعالى : ( فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب    ( 39 ) ومن الليل فسبحه وأدبار السجود   ( 40 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد   - صلى الله عليه وسلم - : فاصبر يا محمد  على ما يقول هؤلاء اليهود ، وما يفترون على الله ، ويكذبون عليه ، فإن الله لهم بالمرصاد ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس   ) يقول : وصل بحمد ربك صلاة الصبح قبل طلوع الشمس وصلاة العصر قبل الغروب . 
كما حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   [ ص: 377 ]  ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس   ) لصلاة الفجر ، وقبل غروبها : العصر . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب   ) قبل طلوع الشمس : الصبح ، وقبل الغروب : العصر . 
وقوله ( ومن الليل فسبحه   ) اختلف أهل التأويل في التسبيح الذي أمر به من الليل ، فقال بعضهم : عنى به صلاة العتمة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( ومن الليل   ) قال : العتمة وقال آخرون : هي الصلاة بالليل في أي وقت صلى . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمارة الأسدي  قال : ثنا  عبيد الله بن موسى  قال : أخبرنا إسرائيل  ، عن أبي يحيى  ، عن مجاهد   ( ومن الليل فسبحه   ) قال : من الليل كله . 
والقول الذي قاله مجاهد  في ذلك أقرب إلى الصواب ، وذلك أن الله جل ثناؤه قال ( ومن الليل فسبحه   ) فلم يحد وقتا من الليل دون وقت . وإذا كان ذلك كذلك كان على جميع ساعات الليل . وإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا ، فهو بأن يكون أمرا بصلاة المغرب والعشاء ، أشبه منه بأن يكون أمرا بصلاة العتمة ، لأنهما يصليان ليلا . 
وقوله ( وأدبار السجود   )  يقول : سبح بحمد ربك أدبار السجود من صلاتك . 
واختلف أهل التأويل في معنى التسبيح الذي أمر الله نبيه أن يسبحه أدبار السجود ، فقال بعضهم : عني به الصلاة ، قالوا : وهما الركعتان اللتان يصليان بعد صلاة المغرب .  [ ص: 378 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا حكام  قال : ثنا عنبسة  ، عن أبي إسحاق  ، عن الحارث  قال : سألت عليا  ، عن أدبار السجود ، فقال : الركعتان بعد المغرب . 
حدثني يعقوب  قال : ثنا  ابن علية  قال : ثنا  ابن جريج  ، عن مجاهد  قال : قال علي  رضي الله عنه ( وأدبار السجود   ) : الركعتان بعد المغرب  . 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا مصعب بن سلام  ، عن الأجلح  ، عن أبي إسحاق  ، عن الحارث   . قال : سمعت عليا  رضي الله عنه يقول ( وأدبار السجود   ) : الركعتان بعد المغرب . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا سفيان  ، عن أبي إسحاق  ، عن الحارث ،  عن علي  رضي الله عنه ، في قوله ( وأدبار السجود   ) قال : الركعتان بعد المغرب . 
قال : ثنا يحيى  قال : ثنا سفيان  ، عن أبي إسحاق  ، عن الحارث ،  عن عاصم بن ضمرة  ، عن الحسن بن علي  رضي الله عنهما ، قال ( وأدبار السجود   ) : الركعتان بعد المغرب . 
حدثني علي بن سهل  قال : ثنا مؤمل  قال : ثنا حماد  قال : ثنا علي بن زيد  ، عن أوس بن خالد  ، عن  أبي هريرة  قال : أدبار السجود : ركعتان بعد صلاة المغرب . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا سفيان  ، عن علوان بن أبي مالك  ، عن الشعبي  قال : ( وأدبار السجود   ) الركعتان بعد المغرب . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  ، عن جابر  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  وإبراهيم بن مهاجر  ، عن مجاهد   ( وأدبار السجود   ) : الركعتان بعد المغرب . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا سفيان  ، عن  [ ص: 379 ] إبراهيم بن مهاجر  ، عن إبراهيم  ، مثله . 
حدثنا  ابن المثنى   . قال : ثنا محمد بن جعفر  قال : ثنا شعبة  ، عن إبراهيم بن مهاجر  ، عن إبراهيم  في هذه الآية ( ومن الليل فسبحه وأدبار السجود   ) - ( وإدبار النجوم   ) قال : الركعتان قبل الصبح ، والركعتان بعد المغرب ، قال شعبة   : لا أدري أيتهما أدبار السجود ، ولا أدري أيتهما إدبار النجوم . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  ، وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قوله ( وأدبار السجود   ) قال : كان مجاهد يقول : ركعتان بعد المغرب . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( وأدبار السجود   ) قال : هما السجدتان بعد صلاة المغرب . 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا أبو فضيل  ، عن رشدين بن كريب  ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا ابن عباس  ركعتان بعد المغرب أدبار السجود " . 
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم  قال : أخبرنا أبو زرعة  ، وهبة الله بن راشد  قال : أخبرنا حيوة بن شريح  قال : أخبرنا أبو صخر  ، أنه سمع أبا معاوية البجلي  من أهل الكوفة  يقول : سمعت أبا الصهباء البكري  يقول : سألت  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه عن ( أدبار السجود   ) قال : هما ركعتان بعد المغرب . 
حدثني سعيد بن عمرو السكوني  قال : ثنا بقية  قال : ثنا جرير  قال : ثنا حمير بن يزيد الرحبي  ، عن كريب بن يزيد الرحبي   ; قال : وكان  جبير بن نفير  يمشي إليه ، قال : كان إذا صلى الركعتين قبل الفجر ، والركعتين  [ ص: 380 ] بعد المغرب أخف ، وفسر إدبار النجوم ، وأدبار السجود . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن عيسى بن يزيد  ، عن  أبي إسحاق الهمداني  ، عن الحسن   ( وأدبار السجود   ) : الركعتان بعد المغرب . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا حكام  قال : ثنا عنبسة  ، عن المغيرة  ، عن إبراهيم  قال : كان يقال ( أدبار السجود   ) : الركعتان بعد المغرب . 
قال : ثنا عنبسة  ، عن إبراهيم بن مهاجر  ، عن مجاهد   ( وأدبار السجود   ) : الركعتان بعد المغرب . 
قال : ثنا جرير  ، عن عطاء  قال : قال علي   : أدبار السجود : الركعتان بعد المغرب . 
حدثنا ابن البر  قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة  ، قال : سئل الأوزاعي  عن الركعتين بعد المغرب ، قال : هما في كتاب الله ( فسبحه وأدبار السجود   ) . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا ابن أبي عدي  ، عن حميد  ، عن الحسن ،  عن علي  رضي الله عنه في قوله ( وأدبار السجود   ) قال : الركعتان بعد المغرب . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة   ( وأدبار السجود   ) قال : ركعتان بعد المغرب . 
وقال آخرون : عنى بقوله ( وأدبار السجود   ) : التسبيح في أدبار الصلوات المكتوبات ، دون الصلاة بعدها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا  ابن علية  قال : ثنا ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  قال : قال ابن عباس  في ( فسبحه وأدبار السجود   ) قال : هو التسبيح بعد الصلاة . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ،   [ ص: 381 ] وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قوله ( وأدبار السجود   ) قال : كان ابن عباس  يقول : التسبيح . قال ابن عمرو : في حديثه في إثر الصلوات كلها . وقال الحارث في حديثه في دبر الصلاة كلها . 
وقال آخرون : هي النوافل في أدبار المكتوبات . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا  يونس بن عبد الأعلى  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( وأدبار السجود   ) : النوافل . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ، قول من قال : هما الركعتان بعد المغرب ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك ، ولولا ما ذكرت من إجماعها عليه ، لرأيت أن القول في ذلك ما قاله ابن زيد  ، لأن الله جل ثناؤه لم يخصص بذلك صلاة دون صلاة ، بل عم أدبار الصلوات كلها ، فقال : وأدبار السجود ، ولم تقم - بأنه معني به : دبر صلاة دون صلاة - حجة يجب التسليم لها من خبر ولا عقل . 
واختلفت القراء في قراءة قوله ( وأدبار السجود   ) فقرأته عامة قراء الحجاز  والكوفة  ، سوى عاصم   والكسائي   ( وإدبار السجود ) بكسر الألف ، على أنه مصدر أدبر يدبر إدبارا . وقرأه عاصم   والكسائي  وأبو عمرو   ( وأدبار   ) بفتح الألف على مذهب جمع دبر وأدبار . 
والصواب عندي الفتح على جمع دبر . 
				
						
						
