يقول - تعالى ذكره - مقسما لخلقه بنفسه : فورب السماء والأرض ، إن الذي قلت لكم أيها الناس : إن في السماء رزقكم وما توعدون لحق ، كما حق أنكم تنطقون .
وقد حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن في قوله ( فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم بنفسه فلم يصدقوه " وقال الفراء : للجمع بين " ما " و " إن " في هذا الموضع وجهان : أحدهما : أن يكون ذلك نظير جمع العرب بين الشيئين من الأسماء والأدوات ، كقول الشاعر في الأسماء :
من النفر اللائي الذين إذا هم يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا
[ ص: 423 ] فجمع بين اللائي والذين ، وأحدهما مجزئ من الآخر; وكقول الآخر في الأدوات :ما إن رأيت ولا سمعت به كاليوم طالي أينق جرب
واختلفت القراء في قراءة قوله ( مثل ما أنكم ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة ( مثل ما ) نصبا بمعنى : إنه لحق حقا يقينا كأنهم وجهوها إلى مذهب المصدر . وقد يجوز أن يكون نصبها من أجل أن العرب تنصبها إذا رفعت بها الاسم ، فتقول : مثل من عبد الله ، وعبد الله مثلك ، وأنت مثله ، ومثله رفعا [ ص: 424 ] ونصبا . وقد يجوز أن يكون نصبها على مذهب المصدر ، إنه لحق كنطقكم . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة ، وبعض أهل البصرة رفعا " مثل ما أنكم " على وجه النعت للحق .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .