القول في تأويل قوله تعالى : ( فويل يومئذ للمكذبين ( 11 ) الذين هم في خوض يلعبون ( 12 ) يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ( 13 ) هذه النار التي كنتم بها تكذبون ( 14 ) )
يقول - تعالى ذكره - : فالوادي الذي يسيل من قيح وصديد في جهنم ، يوم تمور السماء مورا ، وذلك يوم القيامة للمكذبين بوقوع عذاب الله للكافرين ، يوم تمور السماء مورا . وكان بعض نحويي البصرة يقول : أدخلت الفاء في قوله : ( فويل يومئذ ) لأنه في معنى إذا كان كذا وكذا ، فأشبه المجازاة ، لأن المجازاة يكون خبرها بالفاء . وقال بعض نحويي الكوفة : الأوقات تكون كلها جزاء مع الاستقبال ، فهذا من ذاك ، لأنهم قد شبهوا " إن " وهي أصل الجزاء ب" حين " وقال : إن مع " يوم " إضمار فعل ، وإن كان التأويل جزاء ، لأن الإعراب يأخذ ظاهر الكلام ، وإن كان المعنى جزاء .
وقوله : ( الذين هم في خوض يلعبون ) يقول : الذين هم في فتنة واختلاط في الدنيا يلعبون ، غافلين عما هم صائرون إليه من عذاب الله في الآخرة .
وقوله : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) يقول - تعالى ذكره - : فويل [ ص: 464 ] للمكذبين يوم يدعون .
وقوله : ( يوم يدعون ) ترجمة عن قوله : ( يومئذ ) وإبدال منه . وعنى بقوله : ( يدعون ) يدفعون بإرهاق وإزعاج ، يقال منه : دععت في قفاه : إذا دفعت فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني سليمان بن عبد الجبار قال : ثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) قال : يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) يقول : يدفعون .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) قال : يدفعون فيها دفعا .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) يقول : يدفعون إلى نار جهنم دفعا .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( يوم يدعون إلى نار جهنم ) قال : يدفعون .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) قال : يزعجون إليها إزعاجا .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة بنحوه . [ ص: 465 ]
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) الدع : الدفع والإرهاق .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) قال : يدفعون دفعا ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى : ( فذلك الذي يدع اليتيم ) قال : يدفعه ، ويغلظ عليه .
وقوله : ( هذه النار التي كنتم بها تكذبون ) يقول - تعالى ذكره - : يقال لهم : هذه النار التي كنتم بها في الدنيا تكذبون ، فتجحدون أن تردوها ، وتصلوها ، أو يعاقبكم بها ربكم ، وترك ذكر " يقال لهم " ، اجتزاء بدلالة الكلام عليه .