القول في تأويل فسبح باسم ربك العظيم ( 74 ) قوله تعالى : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ( 75 ) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ( 76 ) إنه لقرآن كريم ( 77 ) في كتاب مكنون ( 78 ) لا يمسه إلا المطهرون ( 79 ) تنزيل من رب العالمين ( 80 ) )
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : فسبح يا محمد بذكر ربك العظيم ، وتسميته .
وقوله : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) فقال بعضهم : عني بقوله : ( فلا أقسم ) : أقسم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ، عن [ ص: 147 ] ابن جريج الحسن بن مسلم عن سعيد بن جبير ( فلا أقسم ) قال : أقسم .
وقال بعض أهل العربية : معنى قوله : ( فلا ) فليس الأمر كما تقولون ثم استأنف القسم بعد فقيل أقسم وقوله : ( بمواقع النجوم ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : فلا أقسم بمنازل القرآن ، وقالوا : أنزل القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نجوما متفرقة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، ثم فرق في السنين بعد . قال : وتلا ابن عباس هذه الآية ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) قال : نزل متفرقا .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة في قوله : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) قال : أنزل الله القرآن نجوما ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن عكرمة : إن القرآن نزل جميعا ، فوضع بمواقع النجوم ، فجعل جبريل يأتي بالسورة ، وإنما نزل جميعا في ليلة القدر .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن مجاهد ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) قال : هو محكم القرآن .
حدثني محمد بن سعيد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) قال : مستقر الكتاب أوله وآخره . [ ص: 148 ]
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فلا أقسم بمساقط النجوم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( بمواقع النجوم ) قال في السماء . ويقال : مطالعها ومساقطها .
حدثني بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) أي مساقطها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : بمنازل النجوم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) قال : بمنازل النجوم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : بانتثار النجوم عند قيام الساعة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) قال : قال الحسن انكدارها وانتثارها يوم القيامة .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها في السماء ، وذلك أن المواقع جمع موقع ، والموقع المفعل من وقع يقع موقعا ، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك ، ولذلك قلنا : هو أولى معانيه به .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة بموقع على التوحيد ، وقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين بمواقع : على الجماع . [ ص: 149 ]
والصواب من القول في ذلك ، أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : ( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) يقول - تعالى ذكره - وإن هذا القسم الذي أقسمت لقسم لو تعلمون ما هو ، وما قدره ، قسم عظيم من المؤخر الذي معناه التقديم ، وإنما هو : وإنه لقسم عظيم لو تعلمون عظمه .
وقوله : ( إنه لقرآن كريم ) يقول - تعالى ذكره - : فلا أقسم بمواقع النجوم أن هذا القرآن لقرآن كريم ، والهاء في قوله : ( إنه ) من ذكر القرآن .
وقوله : ( في كتاب مكنون ) يقول - تعالى ذكره - : هو في كتاب مصون عند الله لا يمسه شيء من أذى من غبار ولا غيره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني إسماعيل بن موسى قال : أخبرنا شريك ، عن حكيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( لا يمسه إلا المطهرون ) الكتاب الذي في السماء .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( في كتاب مكنون ) قال : القرآن في كتابه المكنون الذي لا يمسه شيء من تراب ولا غبار .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( لا يمسه إلا المطهرون ) زعموا أن الشياطين تنزلت به على محمد ، فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك ، ولا تستطيعه ، ما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا ، وهو محجوب عنهم ، وقرأ قول الله ( وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون ) . [ ص: 150 ]
حدثنا ابن حميد قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح عبيد الله - يعني - العتكي ، عن جابر بن زيد وأبي نهيك في قوله : ( في كتاب مكنون ) قال : هو كتاب في السماء .
قوله : ( لا يمسه إلا المطهرون ) يقول - تعالى ذكره - : لا يمس ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهرهم الله من الذنوب .
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله : ( إلا المطهرون ) فقال بعضهم : هم الملائكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إذا أراد الله أن ينزل كتابا نسخته السفرة ، فلا يمسه إلا المطهرون . قال : يعني الملائكة .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن الربيع بن أبي راشد ، عن سعيد بن جبير ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال : الملائكة الذين في السماء .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الربيع بن أبي راشد ، عن سعيد بن جبير ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال : الملائكة .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن الربيع بن أبي راشد ، عن سعيد بن جبير ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال : الملائكة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح عبيد الله - يعني - العتكي ، عن جابر بن زيد وأبي نهيك في قوله : ( لا يمسه إلا المطهرون ) يقول : الملائكة .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال الملائكة . [ ص: 151 ]
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال الملائكة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن عاصم ، عن أبي العالية ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال : الملائكة .
وقال آخرون : هم حملة التوراة والإنجيل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال : حملة التوراة والإنجيل .
وقال آخرون في ذلك : هم الذين قد طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا مروان قال : أخبرنا عاصم الأحول ، عن أبي العالية الرياحي في قوله : ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال : ليس أنتم ، أنتم أصحاب الذنوب .
حدثني يونس ، قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال : الملائكة والأنبياء والرسل التي تنزل به من عند الله مطهرة ، والأنبياء مطهرة ، فجبريل ينزل به مطهر ، والرسل الذين تجيئهم به مطهرون فذلك قوله : ( لا يمسه إلا المطهرون ) والملائكة والأنبياء والرسل من الملائكة ، والرسل من بني آدم ، فهؤلاء ينزلون به مطهرون ، وهؤلاء يتلونه على الناس مطهرون ، وقرأ قول الله ( بأيدي سفرة كرام بررة ) قال : بأيدي الملائكة الذين يحصون على الناس أعمالهم .
وقال آخرون : عني بذلك : أنه لا يمسه عند الله إلا المطهرون . [ ص: 152 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( لا يمسه إلا المطهرون ) ذاكم عند رب العالمين ، فأما عندكم فيمسه المشرك النجس ، والمنافق الرجس .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قوله : ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس . وقال في حرف ابن مسعود : " ما يمسه إلا المطهرون " .
والصواب من القول من ذلك عندنا أن الله - جل ثناؤه - أخبر أنه لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون فعم بخبره المطهرين ، ولم يخصص بعضا دون بعض فالملائكة من المطهرين ، والرسل والأنبياء من المطهرين وكل من كان مطهرا من الذنوب ، فهو ممن استثني ، وعني بقوله : ( إلا المطهرون ) .
وقوله : ( تنزيل من رب العالمين ) يقول : هذا القرآن تنزيل من رب العالمين ، نزله من الكتاب المكنون .
كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح عبيد الله العتكي ، عن جابر بن زيد وأبي نهيك في قوله : ( تنزيل من رب العالمين ) قال : القرآن من ذلك الكتاب .