القول في تأويل قوله تعالى : ( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية    ( 5 ) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية   ( 6 )  [ ص: 571 ] سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية   ( 7 ) فهل ترى لهم من باقية   ( 8 ) ) 
يقول تعالى ذكره : ( فأما ثمود   ) قوم صالح ،  فأهلكهم الله بالطاغية . 
واختلف - في معنى الطاغية التي أهلك الله بها ثمود    - أهل التأويل ، فقال بعضهم : هي طغيانهم وكفرهم بالله . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  في قول الله عز وجل : ( فأهلكوا بالطاغية   ) قال : بالذنوب  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية   ) فقرأ قول الله : ( كذبت ثمود بطغواها   ) وقال : هذه الطاغية طغيانهم وكفرهم بآيات الله . الطاغية طغيانهم الذي طغوا في معاصي الله وخلاف كتاب الله  . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فأهلكوا بالصيحة التي قد جاوزت مقادير الصياح وطغت عليها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية   ) بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   ( بالطاغية   ) قال : أرسل الله عليهم صيحة واحدة فأهمدتهم  . 
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : فأهلكوا بالصيحة الطاغية . 
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن الله إنما أخبر عن ثمود  بالمعنى الذي أهلكها به ، كما أخبر عن عاد  بالذي أهلكها به ، فقال : ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية   ) ولو كان الخبر عن ثمود  بالسبب الذي أهلكها من أجله ، كان الخبر أيضا عن عاد كذلك ، إذ كان ذلك في سياق واحد ، وفي إتباعه ذلك بخبره عن عاد  بأن هلاكها كان بالريح الدليل الواضح على أن إخباره عن ثمود  إنما هو ما بينت .  [ ص: 572 ] 
وقوله : ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية   )  يقول تعالى ذكره : وأما عاد  قوم هود  فأهلكهم الله بريح صرصر ، وهي الشديدة العصوف ، مع شدة بردها ، ( عاتية   ) يقول : عتت على خزانها في الهبوب ، فتجاوزت في الشدة والعصوف مقدارها المعروف في الهبوب والبرد . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية   ) يقول : بريح مهلكة باردة ، عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة ، دائمة لا تفتر  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية   ) ، والصرصر : الباردة ، عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن موسى بن المسيب ،  عن  شهر بن حوشب ،  عن ابن عباس ،  قال : "ما أرسل الله من ريح قط إلا بمكيال ، ولا أنزل قطرة قط إلا بمثقال ، إلا يوم نوح  ويوم عاد ،  فإن الماء يوم نوح  طغى على خزانه ، فلم يكن لهم عليه سبيل ، ثم قرأ : ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية   ) ، وإن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل ، ثم قرأ : ( بريح صرصر عاتية   )  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  قال : ثنا أبو سنان ،  عن غير واحد ، عن  علي بن أبي طالب  كرم الله وجهه ، قال : "لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك; فلما كان يوم نوح  أذن للماء دون الخزان ، فطغى الماء على الجبال فخرج ، فذلك قول الله : ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية   ) ولم ينزل من الريح شيء إلا بكيل على يدي ملك إلا يوم عاد ،  فإنه أذن لها دون الخزان ، فخرجت ، وذلك قول الله : ( بريح صرصر عاتية   ) : عتت على الخزان  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( بريح صرصر عاتية   ) قال : الصرصر : الشديدة ، والعاتية : القاهرة التي عتت عليهم فقهرتهم  . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله :  [ ص: 573 ]  ( صرصر   ) قال : شديدة  . 
حدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( بريح صرصر   ) يعني باردة عاتية ، عتت عليهم بلا رحمة ولا بركة  . 
وقوله : ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما   ) يقول تعالى ذكره : سخر تلك الرياح على عاد  سبع ليال وثمانية أيام حسوما; فقال بعضهم : عني بذلك تباعا . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( وثمانية أيام حسوما   ) يقول : تباعا  . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( حسوما   ) قال : متتابعة  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال حكام ،  عن عمرو ،  عن منصور ،  عن مجاهد ،  عن أبي معمر ،  عن ابن مسعود   ( وثمانية أيام حسوما   ) قال : متتابعة  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا جرير ،  عن منصور ،  عن مجاهد ،  عن أبي معمر ،  عن  عبد الله بن مسعود  مثل حديث محمد بن عمرو   . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  عن منصور ،  عن مجاهد ،  عن أبي معمر ،  عن عبد الله   ( حسوما   ) قال : تباعا  . 
قال : ثنا  يحيى بن سعيد القطان ،  قال : ثنا سفيان ،  عن  سماك بن حرب ،  عن عكرمة ،  في قوله : ( حسوما   ) قال : تباعا  . 
حدثنا  ابن المثنى ،  قال : ثنا محمد بن جعفر ،  قال : ثنا شعبة ،  عن  سماك بن حرب ،  عن عكرمة  أنه قال في هذه الآية ( وثمانية أيام حسوما   ) قال : متتابعة  . 
حدثنا نصر بن علي ،  قال : ثني أبي ، قال : ثنا خالد بن قيس ،  عن قتادة   ( وثمانية أيام حسوما   ) قال : متتابعة ليس لها فترة  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( وثمانية أيام حسوما   ) قال : متتابعة ليس فيها تفتير  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  في قوله :  [ ص: 574 ]  ( حسوما   ) قال : دائمات  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن منصور ،  عن مجاهد ،  عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة ،  عن ابن مسعود   ( أيام حسوما   ) قال : متتابعة  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان  قال : قال مجاهد   : ( أيام حسوما   ) قال : تباعا  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان   ( أيام حسوما   ) قال : متتابعة ، و ( أيام نحسات   ) قال : مشائيم  . 
وقال آخرون : عني بقوله : ( حسوما   ) : الريح ، وأنها تحسم كل شيء ، فلا تبقي من عاد  أحدا ، وجعل هذه الحسوم من صفة الريح . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد  في قوله : ( وثمانية أيام حسوما   ) قال : حسمتهم لم تبق منهم أحدا ، قال : ذلك الحسوم مثل الذي يقول : احسم هذا الأمر; قال : وكان فيهم ثمانية لهم خلق يذهب بهم في كل مذهب; قال : قال  موسى بن عقبة   : فلما جاءهم العذاب قالوا : قوموا بنا نرد هذا العذاب عن قومنا; قال : فقاموا وصفوا في الوادي ، فأوحى الله إلى ملك الريح أن يقلع منهم كل يوم واحدا ، وقرأ قول الله : ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما   ) حتى بلغ : ( نخل خاوية   ) ، قال : فإن كانت الريح لتمر بالظعينة فتستدبرها وحمولتها ، ثم تذهب بهم في السماء ، ثم تكبهم على الرءوس ، وقرأ قول الله : ( فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا   ) قال : وكان أمسك عنهم المطر ، فقرأ حتى بلغ : ( تدمر كل شيء بأمر ربها   ) ، قال : وما كانت الريح تقلع من أولئك الثمانية كل يوم إلا واحدا; قال : فلما عذب الله قوم عاد ، أبقى الله واحدا ينذر الناس ، قال : فكانت امرأة قد رأت قومها ، فقالوا لها : أنت أيضا ، قالت : تنحيت على الجبل; قال : وقد قيل لها بعد : أنت قد سلمت وقد رأيت ، فكيف لا رأيت عذاب الله ؟ قالت : ما أدري ، غير أن أسلم ليلة : ليلة لا ريح  . 
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عني بقوله : ( حسوما   ) : متتابعة ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك . وكان بعض أهل العربية يقول :  [ ص: 575 ] الحسوم : التباع ، إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوله عن آخره قيل فيه حسوم; قال : وإنما أخذوا والله أعلم من حسم الداء : إذا كوي صاحبه ، لأنه لحم يكوى بالمكواة ، ثم يتابع عليه . 
وقوله : ( فترى القوم فيها صرعى   ) يقول : فترى يا محمد  قوم عاد  في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام الحسوم صرعى ، قد هلكوا ، ( كأنهم أعجاز نخل خاوية   ) يقول : كأنهم أصول نخل قد خوت . 
كما حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( كأنهم أعجاز نخل خاوية   ) : وهي أصول النخل . 
وقوله : ( فهل ترى لهم من باقية   ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد  صلى الله عليه وسلم : فهل ترى يا محمد  لعاد قوم هود  من بقاء . وقيل : عني بذلك : فهل ترى منهم باقيا . وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من البصريين  يقول : معنى ذلك : فهل ترى لهم من بقية ، ويقول : مجازها مجاز الطاغية ، مصدر . 
				
						
						
