يقول تعالى ذكره : ( وجوه يومئذ ) يعني : يوم القيامة ( ناعمة ) يقول : هي ناعمة بتنعيم الله أهلها في جناته ، وهم أهل الإيمان بالله .
وقوله : ( لسعيها راضية ) يقول : لعملها الذي عملت في الدنيا من طاعة ربها راضية ، وقيل : ( لسعيها راضية ) والمعنى : لثواب سعيها في الآخرة راضية . [ ص: 386 ]
وقوله : ( في جنة عالية ) وهي بستان ، عالية ، يعني : رفيعة .
وقوله : ( لا تسمع فيها لاغية ) يقول : لا تسمع هذه الوجوه - المعنى : لأهلها فيها في الجنة العالية - لاغية . يعني باللاغية : كلمة لغو ، واللغو : الباطل ، فقيل للكلمة التي هي لغو لاغية ، كما قيل لصاحب الدرع : دارع ، ولصاحب الفرس : فارس ، ولقائل الشعر شاعر ، وكما قال الحطيئة :
أغررتني وزعمت أن ك لابن بالصيف تامر
يعني : صاحب لبن ، وصاحب تمر . وزعم بعض الكوفيين أن معنى ذلك : لا تسمع فيها حالفة على الكذب ، ولذلك قيل : لاغية ; ولهذا الذي قاله مذهب ووجه ، لولا أن أهل التأويل من الصحابة والتابعين على خلافه ، وغير جائز لأحد خلافهم فيما كانوا عليه مجمعين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( لا تسمع فيها لاغية ) يقول : لا تسمع أذى ولا باطلا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( لا تسمع فيها لاغية ) قال : شتما .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( لا تسمع فيها لاغية ) : لا تسمع فيها باطلا ولا شاتما .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة وبعض قراء المدينة وهو أبو جعفر ( لا تسمع ) بفتح التاء ، بمعنى : لا تسمع الوجوه . وقرأ ذلك ابن كثير ونافع وأبو عمرو ( لا تسمع ) بضم التاء ، بمعنى ما لم يسم فاعله ويؤنث ، تسمع لتأنيث لاغية . وقرأ ابن محيصن بالضم أيضا ، غير أنه كان يقرؤها بالياء على وجه التذكير .
والصواب من القول في ذلك عندي ، أن كل ذلك قراءات معروفات صحيحات [ ص: 387 ] المعاني ، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : ( فيها عين جارية ) يقول : في الجنة العالية عين جارية في غير أخدود .
وقوله : ( فيها سرر مرفوعة ) والسرر : جمع سرير ، مرفوعة ليرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما خوله ربه من النعيم والملك فيها ، ويلحق جميع ذلك بصره .
وقيل : عني بقوله : مرفوعة : موضونة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فيها سرر مرفوعة ) يعني : موضونة ، كقوله : سرر مصفوفة ، بعضها فوق بعض .
وقوله : ( وأكواب موضوعة ) وهي جمع كوب ، وهي الأباريق التي لا آذان لها . وقد بينا ذلك فيما مضى ، وذكرنا ما فيه من الرواية بما أغنى عن إعادته .
وعني بقوله : ( موضوعة ) : أنها موضوعة على حافة العين الجارية ، كلما أرادوا الشرب وجدوها ملأى من الشراب .
وقوله : ( ونمارق مصفوفة ) يعني بالنمارق : الوسائد والمرافق ; والنمارق : واحدها نمرقة ، بضم النون . وقد حكي عن بعض كلب سماعا : نمرقة ، بكسر النون والراء . وقيل : مصفوفة ; لأن بعضها بجنب بعض .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( ونمارق مصفوفة ) يقول : المرافق .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ونمارق مصفوفة ) يعني بالنمارق : المجالس .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ونمارق مصفوفة ) والنمارق : الوسائد .
وقوله : ( وزرابي مبثوثة ) يقول تعالى ذكره : وفيها طنافس وبسط كثيرة مبثوثة مفروشة ، والواحدة : زربية ، وهي الطنفسة التي لها خمل رقيق . [ ص: 388 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن منصور ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن سفيان ، قال : ثنا توبة العنبري ، عن عكرمة بن خالد ، عن عبد الله بن عمار ، قال : رأيت رضي الله عنه يصلي على عبقري ، وهو الزرابي . عمر بن الخطاب
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وزرابي مبثوثة ) : المبسوطة .