القول في تأويل قول الله تعالى : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم   )  
قال أبو جعفر :  فأمر جل ثناؤه الفريقين - اللذين أخبر الله عن أحدهما أنه سواء عليهم أأنذروا أم لم ينذروا أنهم لا يؤمنون ، لطبعه على قلوبهم وعلى سمعهم ، وعن الآخر أنه يخادع الله والذين آمنوا بما يبدي بلسانه من قيله : آمنا بالله وباليوم الآخر ، مع استبطانه خلاف ذلك ، ومرض قلبه وشكه في حقيقة ما يبدي من ذلك ، وغيرهم من سائر خلقه المكلفين بالاستكانة ، والخضوع له بالطاعة ، وإفراد الربوبية له والعبادة دون الأوثان والأصنام والآلهة   . لأنه جل ذكره هو خالقهم وخالق من قبلهم من آبائهم وأجدادهم ، وخالق أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم . فقال لهم جل ذكره : فالذي خلقكم وخلق آباءكم وأجدادكم وسائر الخلق غيركم ، وهو يقدر على ضركم ونفعكم ، أولى بالطاعة ممن لا يقدر لكم على نفع ولا ضر . 
وكان ابن عباس   : فيما روي لنا عنه ، يقول في ذلك نظير ما قلنا فيه ، غير أنه ذكر عنه أنه كان يقول في معنى " اعبدوا ربكم   " : وحدوا ربكم . وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن معنى العبادة : الخضوع لله بالطاعة ،  [ ص: 363 ] والتذلل له بالاستكانة . والذي أراد ابن عباس   - إن شاء الله - بقوله في تأويل قوله : " اعبدوا ربكم   " وحدوه ، أي أفردوا الطاعة والعبادة لربكم دون سائر خلقه . 
472 - حدثنا محمد بن حميد ،  قال : حدثنا سلمة  ، عن ابن إسحاق  ، عن محمد بن أبي محمد  ، عن عكرمة  ، أو عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس  ، قال : قال الله : " يا أيها الناس اعبدوا ربكم   " للفريقين جميعا من الكفار والمنافقين ، أي وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم . 
473 - وحدثني موسى بن هارون ،  قال : حدثنا عمرو بن حماد ،  عن أسباط  ، عن  السدي  في خبر ذكره ، عن أبي مالك ،  وعن أبي صالح ،  عن ابن عباس  ، وعن مرة  ، عن ابن مسعود  ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم   " يقول : خلقكم وخلق الذين من قبلكم . 
قال أبو جعفر :  وهذه الآية من أدل دليل على فساد قول من زعم أن تكليف ما لا يطاق إلا بمعونة الله غير جائز  ، إلا بعد إعطاء الله المكلف المعونة على ما كلفه . وذلك أن الله أمر من وصفنا ، بعبادته والتوبة من كفره ، بعد إخباره عنهم أنهم لا يؤمنون ، وأنهم عن ضلالتهم لا يرجعون . 
				
						
						
