[ ص: 124 ] القول في آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ) تأويل قوله تعالى (
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : صدق الرسول يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقر " بما أنزل إليه " يعني : بما أوحي إليه من ربه من الكتاب ، وما فيه من حلال وحرام ، ووعد وعيد ، وأمر ونهي ، وغير ذلك من سائر ما فيه من المعاني التي حواها .
وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية عليه قال : يحق له .
6499 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه " ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية قال : ويحق له أن يؤمن .
وقد قيل : إنها نزلت بعد قوله : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير " لأن آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " يقول : وصدق المؤمنون أيضا مع نبيهم بالله وملائكته وكتبه ورسله ، الآيتين . وقد ذكرنا قائلي ذلك قبل . المؤمنين برسول الله من أصحابه شق عليهم ما توعدهم الله به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم ، فشكوا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لعلكم تقولون : " سمعنا وعصينا " كما قالت بنو إسرائيل ! فقالوا : [ ص: 125 ] بل نقول : " سمعنا وأطعنا " ! فأنزل الله لذلك من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول أصحابه : "
قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله : " وكتبه " .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض قرأة أهل العراق ( وكتبه ) على وجه جمع " الكتاب " على معنى : والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وجميع كتبه التي أنزلها على أنبيائه ورسله .
وقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة : ( وكتابه ) ، بمعنى : والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وبالقرآن الذي أنزله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك : " وكتابه " ويقول : الكتاب أكثر من الكتب . وكأن ابن عباس يوجه تأويل ذلك إلى نحو قوله : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ) [ سورة العصر : 1 - 2 ] ، بمعنى جنس " الناس " وجنس " الكتاب " كما يقال : " ما أكثر درهم فلان وديناره " ويراد به جنس الدراهم والدنانير . وذلك وإن كان مذهبا من المذاهب معروفا ، فإن الذي هو أعجب إلي من القراءة في ذلك أن يقرأ بلفظ الجمع ؛ لأن الذي قبله جمع ، والذي بعده كذلك - أعني بذلك : " وملائكته وكتبه ورسله " - فإلحاق " الكتب " في الجمع لفظا به ، أعجب إلي من توحيده وإخراجه في اللفظ به بلفظ الواحد ، ليكون لاحقا في اللفظ والمعنى بلفظ ما قبله وما بعده ، وبمعناه .