[ ص: 345 ]   ( وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا    ( 27 ) يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا    ( 28 ) وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما    ( 29 ) ) 
  ( وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها     ) ، بعد ، قال ابن زيد  ومقاتل :  يعني خيبر ، قال قتادة    : كنا نحدث أنها مكة    . وقال الحسن    : فارس  والروم    . وقال عكرمة    : كل أرض تفتح إلى يوم القيامة . ( وكان الله على كل شيء قديرا    ) قوله - عز وجل - ( ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن     ) متعة الطلاق ( وأسرحكن سراحا جميلا  وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما    ) سبب نزول هذه الآية أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - سألنه شيئا من عرض الدنيا ، وطلبن منه زيادة في النفقة ، وآذينه بغيرة بعضهن على بعض ، فهجرهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآلى أن لا يقربهن شهرا ولم يخرج إلى أصحابه ، فقالوا : ما شأنه ؟ وكانوا يقولون : طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، فقال عمر  لأعلمن لكم شأنه ، قال : فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله أطلقتهن ؟ قال : لا قلت : يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون : طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن ؟ قال : نعم إن شئت ، فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، فنزلت هذه الآية : " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم    " ( النساء - 83 ) ، فكنت أنا استنبطت ذاك الأمر ، وأنزل الله آية التخيير  ، وكانت تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ تسع نسوة خمس من قريش    : وهم  عائشة بنت أبي بكر الصديق  ، وحفصة بنت عمر  ،  وأم حبيبة بنت أبي سفيان  ، وأم سلمة بنت أبي أمية  ،  وسودة بنت زمعة  ، وغير القرشيات :  زينب بنت جحش الأسدية  ،  وميمونة بنت الحارث الهلالية  ، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية  ،  وجويرية بنت الحارث المصطلقية  ، رضوان الله عليهن فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعائشة  ، وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن   [ ص: 346 ] فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة ، فرئي الفرح في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتابعتها على ذلك   . 
قال قتادة    : فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك وقصره عليهن فقال : ( لا يحل لك النساء من بعد    ) 
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر  ، أخبرنا عبد الغفار بن محمد  ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي  ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان  ، أخبرنا مسلم بن الحجاج  ، أخبرنا  زهير بن حرب  ، أخبرنا روح بن عبادة  ، أخبرنا زكريا بن إسحاق  ، أخبرنا أبو الزبير  عن  جابر بن عبد الله  قال : دخل أبو بكر  يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فوجد الناس جلوسا ببابه ولم يؤذن لأحد منهم ، قال : فأذن لأبي بكر  فدخل ثم أقبل عمر  فاستأذن له فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا ، فقال : لأقولن شيئا أضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة ، فقمت إليها فوجأت عنقها ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : هن حولي كما ترى يسألنني النفقة ، فقام أبو بكر  إلى عائشة  يجأ عنقها ، وقام عمر  إلى حفصة  يجأ عنقها ، كلاهما يقول : لا تسألي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا أبدا ليس عنده ، ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ، ثم نزلت الآية : ( يا أيها النبي قل لأزواجك    ) حتى بلغ : ( للمحسنات منكن أجرا عظيما    ) قال : فبدأ بعائشة  فقال : يا عائشة  إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك ، قالت : وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية ، قالت : أفيك يا رسول الله استشير أبوي ؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت ، قال : " لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها ، إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا   " . 
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي  ، أخبرنا  أبو الحسين بن بشران  ، أخبرنا  إسماعيل بن محمد الصفار  ، أخبرنا  أحمد بن منصور الرمادي  ، أخبرنا عبد الرزاق  ، أخبرنا معمر  عن الزهري  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا ، قال الزهري  فأخبرني عروة بن الزبير  عن عائشة  أنها قالت : فلما مضت تسع وعشرون أعدهن دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : بدأ بي فقلت : يا رسول الله إنك أقسمت ألا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت في تسع وعشرين أعدهن ؟ فقال : " إن الشهر تسع وعشرون   "   [ ص: 347 ] 
واختلف العلماء في هذا الخيار أنه هل كان ذلك تفويض الطلاق  إليهن حتى يقع بنفس الاختيار أم لا ؟ فذهب الحسن  ، وقتادة  ، وأكثر أهل العلم : إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق ، وإنما خيرهن على أنهن إذا اخترن الدنيا فارقهن ، لقوله تعالى : ( فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا    ) بدليل أنه لم يكن جوابهن على الفور فإنه قال  لعائشة    : " لا تعجلي حتى تستشيري أبويك " ، وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور . 
وذهب قوم إلى أنه كان تفويض الطلاق لو اخترن أنفسهن كان طلاقا . 
واختلف أهل العلم في حكم التخيير : فقال عمر  ،  وابن مسعود  ،  وابن عباس    : إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء ، وإن اختارت نفسها يقع طلقة واحدة ، وهو قول عمر بن عبد العزيز  ،  وابن أبي ليلى  ، وسفيان  ،  والشافعي  ، وأصحاب الرأي ، إلا عند أصحاب الرأي تقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها ، وعند الآخرين رجعية . 
وقال  زيد بن ثابت    : إذا اختارت الزوج تقع طلقة واحدة ، وإذا اختارت نفسها فثلاث ، وهو قول الحسن  وبه قال مالك    . 
وروي عن علي  أيضا أنها إذا اختارت زوجها تقع طلقة واحدة وإن اختارت نفسها فطلقة بائنة   . 
وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء . 
أخبرنا عبد الواحد المليحي  ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي  ، أخبرنا  محمد بن إسماعيل  ، أخبرنا عمر بن حفص  ، أخبرنا أبي ، أخبرنا الأعمش  ، أخبرنا مسلم  ، عن مسروق  ، عن عائشة  قالت : خيرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترنا الله ورسوله فلم يعد ذلك علينا شيئا   . 
				
						
						
