( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين    ( 56 ) ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون    ( 57 ) . 
( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض     ) يعني : أرض مصر  ملكناه ( يتبوأ منها    ) أي : ينزل ( حيث يشاء    ) ويصنع فيها ما يشاء . 
قرأ ابن كثير    : " نشاء " بالنون ردا على قوله : ( مكنا ) وقرأ الآخرون بالياء ردا على قوله ( يتبوأ ) . 
( نصيب برحمتنا من نشاء    ) أي : بنعمتنا ( ولا نضيع أجر المحسنين    ) قال ابن عباس ،  ووهب    : يعني الصابرين . 
قال مجاهد  وغيره : فلم يزل يوسف  عليه السلام يدعو الملك إلى الإسلام ويتلطف له حتى أسلم الملك وكثير من الناس . فهذا في الدنيا . 
( ولأجر الآخرة ) ثواب الآخرة ( خير للذين آمنوا وكانوا يتقون    ) . 
فلما اطمأن يوسف  في ملكه دبر في جمع الطعام بأحسن التدبير ، وبنى الحصون والبيوت الكثيرة ، وجمع فيها الطعام للسنين المجدبة ، وأنفق بالمعروف حتى خلت السنون المخصبة ودخلت السنون المجدبة بهول لم يعهد الناس بمثله .   [ ص: 253 ] 
وروي أنه كان قد دبر في طعام الملك وحاشيته كل يوم مرة واحدة نصف النهار ، فلما دخلت سنة القحط كان أول من أخذه الجوع هو الملك في نصف الليل فنادى يا يوسف  الجوع الجوع ! . 
فقال يوسف    : هذا أوان القحط . 
ففي السنة الأولى من سني الجدب هلك كل شيء أعدوه في السنين المخصبة ، فجعل أهل مصر  يبتاعون من يوسف  الطعام ، فباعهم أول سنة بالنقود حتى لم يبق بمصر  دينار ولا درهم إلا قبضه ، وباعهم السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء ، وباعهم السنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع ، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق في يد أحد عبد ولا أمة ، وباعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها ، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم ، وباعهم السنة السابعة برقابهم [ حتى استرقهم ] ، ولم يبق بمصر  حر ولا حرة إلا صار عبدا له . 
فقال الناس : ما رأينا يوما كاليوم ملكا أجل ولا أعظم من هذا . 
ثم قال يوسف  للملك : كيف رأيت صنع ربي فيما خولني فما ترى في ذلك ؟ 
فقال له الملك : الرأي رأيك ونحن لك تبع . 
قال : فإني أشهد الله وأشهدك أني أعتقت أهل مصر  عن آخرهم ، ورددت عليهم أملاكهم . 
وروي أن يوسف  كان لا يشبع من طعام في تلك الأيام ، فقيل له : أتجوع وبيدك خزائن الأرض ؟ . 
فقال : أخاف إن شبعت أن أنسى الجائع ، وأمر يوسف  عليه السلام طباخي الملك أن يجعلوا غداءه نصف النهار ، وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين ، فمن ثم جعل الملوك غذاءهم نصف النهار . 
قال : وقصد الناس مصر  من كل أوب يمتارون الطعام فجعل يوسف  لا يمكن أحدا منهم - وإن كان عظيما - من أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس ، وتزاحم الناس عليه وأصاب أرض كنعان  وبلاد الشام  ما أصاب الناس في سائر البلاد من القحط والشدة ، ونزل بيعقوب  ما نزل بالناس ، فأرسل بنيه إلى مصر  للميرة ، وأمسك بنيامين  أخا يوسف  لأمه ، فذلك قوله تعالى : 
				
						
						
