[ ص: 457 ] ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائة 
فيها تكامل بناء قصر المنصور  المسمى بالخلد ،  وسكنه أياما يسيرة ، ثم مات وتركه . 
وفيها مات طاغية الروم    . 
وفيها وجه المنصور  ابنه المهدي  إلى الرقة   ، وأمره بعزل موسى بن كعب  عن الموصل  ، وأن يولي عليها خالد بن برمك ،  وكان ذلك بعد نكتة غريبة اتفقت ليحيى بن خالد;  وذلك أن المنصور  كان قد تغضب على خالد بن برمك ،  وألزمه بحمل ثلاثة آلاف ألف ، فضاق ذرعا بذلك ، ولم يبق له مال ولا حال ، وعجز عن أكثر ما طلب منه ، وقد أجله ثلاثة أيام ، فإن لم يحمل ذلك في هذه الأيام فدمه هدر ، فجعل يرسل ابنه يحيى  إلى أصحابه من الأمراء يستقرض منهم ، فكان منهم من أعطاه المائة ألف ، ومنهم أقل وأكثر . 
قال يحيى بن خالد    : فبينا أنا ذات يوم من تلك الأيام على جسر بغداد  ، وأنا مهموم في تحصيل ما طلب منا ولا طاقة لنا به ، إذ وثب إلي زاجر - يعني من أولئك الذين يكونون عند الجسر من الطرقية - فقال لي : أبشر . فلم ألتفت إليه ، فتقدم حتى أخذ بلجام فرسي ، ثم قال لي : أنت مهموم ، والله ليفرجن الله   [ ص: 458 ] همك ، ولتمرن غدا في هذا الموضع واللواء بين يديك ، فإن كان ما قلت حقا فلي عليك خمسة آلاف . فقلت : نعم . ولو قال : خمسون ألفا . لقلت : نعم . لبعد ذلك عندي . قال : وذهبت لشأني ، وقد بقي علينا من الحمل ثلاثمائة ألف ، فورد الخبر إلى المنصور  بانتقاض الموصل  وانتشار الأكراد بها ، فاستشار الأمراء من يصلح للموصل؟  فأشار بعضهم بخالد بن برمك ،  فقال له المنصور    : ويحك! أويصلح لذلك بعدما فعلنا به ما فعلنا؟ فقال : نعم ، وأنا الضامن أنه يصلح لها . فأمر بإحضاره ، فولاه إياها ، ووضع عنه بقية ما كان عليه ، وعقد له اللواء ، وولى ابنه يحيى بن خالد  أذربيجان  ، وخرج الناس في خدمتهما . قال يحيى    : فمررنا بالجسر ، فثار إلي ذلك الزاجر فطالبني بما وعدته به فأمرت له به ، فقبض خمسة آلاف . 
وفي هذه السنة خرج المنصور  إلى الحج ، فساق الهدي معه ، فلما جاوز الكوفة  بمراحل أخذه وجعه الذي مات فيه ،  وكان عنده سوء مزاج ، فاشتد عليه من شدة الحر وركوبه في الهواجر ، وأخذه إسهال وأفرط به ، فقوي مرضه ، ودخل مكة  ، فتوفي بها ليلة السبت لست مضين من ذي الحجة ، وصلي عليه ، ودفن بكداء  عند ثنية المعلى  التي بأعلى مكة  ، وكان عمره يومئذ ثلاثا - وقيل : أربعا . وقيل : خمسا - وستين سنة . وقيل : إنه بلغ ثمانيا وستين سنة . فالله أعلم . وقد كتم الربيع  موته حتى أخذ البيعة للمهدي ،  من القواد ورءوس بني هاشم ،  ثم دفن . وكان الذي صلى عليه إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي ،  وهو الذي أقام للناس الحج في هذه السنة . 
				
						
						
