[ ص: 31 ] ثم دخلت سنة ست عشرة وثلاثمائة  
فيها عاث القرمطي     - لعنه الله ، وهو أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي    - في الأرض فسادا ، حاصر الرحبة  ، فدخلها قهرا ، وقتل من أهلها خلقا كثيرا ، وطلب منه أهل قرقيسيا  الأمان فأمنهم ، وبعث سرايا إلى ما حولها من الأعراب ، فقتل منهم خلقا أيضا ، حتى صار الناس إذا سمعوا بذكره يهربون من سماع اسمه ، وقرر على الأعراب إتاوة يحملونها إلى هجر  في كل سنة ، عن كل رأس ديناران ، وعاث في نواحي الموصل  وسنجار  وتلك الديار ، وقتل وسلب ونهب ، فقصده مؤنس الخادم  فلم يتواجها ، ثم رجع إلى بلده فابتنى بها دارا سماها دار الهجرة ، ودعا إلى المهدي الذي ببلاد المغرب باني المهدية  وتفاقم أمره ، وكثر أتباعه ، وصاروا يكبسون القرية من أرض السواد ، فيقتلون أهلها ، وينهبون أموالها ، ورام في نفسه دخول الكوفة  وأخذها ، فلم يقدر على ذلك وعصمها الله منه . ولما رأى الوزير علي بن عيسى  ما يفعل هذا الهجري القرمطي  ببلاد الإسلام ، والخليفة وجيشه ضعفاء عن مقاومته ، استعفى من الوزارة وعزل نفسه عنها ، فسعى فيها أبو علي بن مقلة الكاتب  المشهور ، فوليها بسفارة نصر   [ ص: 32 ] الحاجب  وأبي عبد الله البريدي    - بالباء الموحدة من البريد - ويقال : اليزيدي . لخدمة جده يزيد بن منصور الحميري    . ثم جهز الخليفة جيشا كثيفا مع مؤنس الخادم ،  فاقتتلوا مع القرامطة  ، فقتلوا من القرامطة  خلقا كثيرا ، وأسروا منهم طائفة كثيرة من أشرافهم ، ودخلوا مع مؤنس الخادم  إلى بغداد  والأسارى بين يديه ، وأعلام من أعلامهم بيض منكسة مكتوب عليها ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين    [ القصص : 5 ] ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وطابت أنفس أهل بغداد  وانكسر شر القرامطة   الذين كانوا قد نشأوا وكثروا وأظهروا رءوسهم بأرض العراق  ، ونهبوا كثيرا من القرى ، وفوضوا أمرهم إلى رجل يقال له : حريث بن مسعود - لا أسعده الله - ودعوا إلى المهدي الذي ظهر ببلاد المغرب  وبنى المهدية  جد الخلفاء الفاطميين   وهم أدعياء فيما ذكروا لهم من النسب  ، كما نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء ، كما سيأتي تفصيله وبيانه في موضعه . 
وفيها وقعت وحشة بين مؤنس الخادم  والمقتدر  ، وسبب ذلك أن نازوك  أمير الشرطة وقع بينه وبين هارون بن غريب    - وهو ابن خال المقتدر    - فانتصر هارون  على نازوك  ، وشاع بين العامة أن هارون  سيصير أمير الأمراء ، فبلغ ذلك  مؤنسا الخادم  وهو بالرقة  ، فأسرع الأوبة إلى بغداد  واجتمع بالخليفة فتصالحا ، ثم إن الخليفة نقل هارون  إلى دار الخلافة ، فقويت الوحشة بينهما ، وانضم إلى مؤنس  جماعة من الأمراء وترددت الرسل بينهما ، وانقضت هذه السنة والأمر كذلك . وهذا كله من ضعف الأمور واضطرابها ، وكثرة الفتن   [ ص: 33 ] وانتشارها    . 
وفيها كان مقتل الحسن بن القاسم الداعي العلوي  صاحب الري  على يد صاحب الديلم  وسلطانهم مرداويج المجرم ، قبحه الله . 
				
						
						
