[ ص: 641 ] ثم دخلت
nindex.php?page=treesubj&link=33800سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة
في سادس المحرم استسقى
أهل بغداد لتأخر المطر عن أوانه ، فلم يسقوا ، وكثر الموت في الناس .
ولما كان يوم عاشوراء عملت
الروافض البدعة الشنعاء ، وكثر النوح والبكاء ، وامتلأت بذلك الطرقات والأسواق والأرجاء .
وفي صفر أمر الناس بالخروج إلى الاستسقاء لقحوط الأمطار ، فلم يخرج من
أهل بغداد باتساعها مائة إنسان في الجوامع كلها .
وفيها وقع بين الجيش وبين
جلال الدولة ، فاتفق الحال على خروجه إلى
البصرة ، فرد كثيرا من جواريه إلى أستاذهن قبله ، واستبقى بعضهن معه ، وخرج من
بغداد ليلة الاثنين سادس ربيع الأول منها ، وكتب الغلمان
الأسفهسلارية إلى
الملك أبي كاليجار ; ليقدم عليهم ، فلما قدم تمهدت البلاد ، ولم يبق أحد من أهل العناد والإلحاد ، ونهبوا دار
جلال الدولة وغيرها ، وتأخر مجيء
nindex.php?page=showalam&ids=12136أبي كاليجار ، وذلك أن وزيره العادل
بن مافنة أشار عليه بعدم القدوم إلى
بغداد [ ص: 642 ] فكثر
العيارون ببغداد ، وتفاقم الحال بهم ، وفسد البلد ، وافتقر
جلال الدولة بحيث إنه احتاج إلى أن باع بعض ثيابه في الأسواق ، وجعل
أبو كاليجار يتوهم من
الأتراك ، ويطلب منهم رهائن ، فلم يتفق ذلك ، وطال الفصل ، فرجعوا إلى مكاتبة
جلال الدولة أن يرجع إلى بلده ، وشرعوا في الاعتذار إليه ، وخطبوا له في البلد على عادته ، ثم رجع بعد ثلاث وأربعين ليلة إلى
بغداد ، وأرسل الخليفة الرسل إلى
الملك أبي كاليجار ، وممن بعث إليه القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=15151أبو الحسن الماوردي ، يسلم عليه ، ويستوحش منه ، فدخلوا عليه ، وقد تحمل أمرا عظيما ، فسأل أن يلقب بالسلطان المعظم مالك الأمم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : هذا لا يمكن ; لأن السلطان المعظم الخليفة ، وكذلك مالك الأمم . ثم اتفقوا على تلقيبه بملك الدولة ، فأرسل مع
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي تحفا عظيمة ; منها ألف ألف دينار سابورية ، وغير ذلك من الدراهم آلاف ، وتحف وألطاف . واجتمع الجند على طلب أرزاقهم من الخليفة ، فتعذر ذلك ، فراموا أن يقطعوا خطبته ، فلم تصل الجمعة في هذا الوقت ، ثم خطب له من الجمعة القابلة ، وتخبط البلد جدا وكثر
العيارون .
ثم في ربيع الآخر من هذه السنة حلف الخليفة
لجلال الدولة بخلوص النية وصفائها ، وأنه على ما يحب من الصدق وصلاح النية والسريرة ، ثم وقع بينهما بسبب لعب
جلال الدولة وشربه النبيذ وتهتكه به ، ثم اعتذر إلى الخليفة واصطلحا على فساد .
وفي رجب غلت الأسعار جدا
ببغداد وغيرها من أراضي
العراق ، ولم يحج
[ ص: 643 ] أحد منها .
وفي هذه السنة وقع موتان عظيم ببلاد
الهند وغزنة وخراسان وجرجان والري وأصبهان ، خرج منها في أدنى مدة أربعون ألف جنازة ، وفي نواحي الجبل
والموصل وبغداد طرف قوي من ذلك بالجدري ، بحيث لم تخل دار من مصاب به ، واستمر ذلك في حزيران وتموز وآب وأيلول وتشرين الأول والثاني ، وكان في الصيف أكثر منه في الخريف . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في " المنتظم " . وقد رأى رجل في منامه من
أهل أصبهان في هذه السنة مناديا ينادي بصوت جهوري : يا
أهل أصبهان سكت ، نطق ، سكت ، نطق . فانتبه الرجل مذعورا ، فلم يدر أحد تأويلها ، حتى قيل ذلك لرجل لبيب ، فقال : احذروا يا
أهل أصبهان فإني قرأت في شعر
nindex.php?page=showalam&ids=11876أبي العتاهية قوله :
سكت الدهر زمانا عنهم ثم أبكاهم دما حين نطق
فما كان غير قليل حتى جاء
الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين ، فقتل منهم خلقا كثيرا ، حتى قتل الناس في الجوامع .
وفي هذه السنة ظفر
nindex.php?page=showalam&ids=12136الملك أبو كاليجار بالخادم
صندل ، فقتله ، وكان قد استحوذ على مملكته ، ولم يبق معه سوى الاسم ، فاستراح منه .
وفيها مات ملك الترك الكبير صاحب بلاد
ما وراء النهر واسمه
قدرخان .
[ ص: 641 ] ثُمَّ دَخَلَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=33800سَنَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ
فِي سَادِسِ الْمُحَرَّمِ اسْتَسْقَى
أَهْلُ بَغْدَادَ لِتَأَخُّرِ الْمَطَرِ عَنْ أَوَانِهِ ، فَلَمْ يُسْقَوْا ، وَكَثُرَ الْمَوْتُ فِي النَّاسِ .
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ عَمِلَتِ
الرَّوَافِضُ الْبِدْعَةَ الشَّنْعَاءَ ، وَكَثُرَ النَّوْحُ وَالْبُكَاءُ ، وَامْتَلَأَتْ بِذَلِكَ الطُّرُقَاتُ وَالْأَسْوَاقُ وَالْأَرْجَاءُ .
وَفِي صَفَرٍ أُمِرَ النَّاسُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ لِقُحُوطِ الْأَمْطَارِ ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ
أَهْلِ بَغْدَادَ بِاتِّسَاعِهَا مِائَةُ إِنْسَانٍ فِي الْجَوَامِعِ كُلِّهَا .
وَفِيهَا وَقَعَ بَيْنَ الْجَيْشِ وَبَيْنَ
جَلَالِ الدَّوْلَةِ ، فَاتَّفَقَ الْحَالُ عَلَى خُرُوجِهِ إِلَى
الْبَصْرَةِ ، فَرَدَّ كَثِيرًا مِنْ جَوَارِيهِ إِلَى أُسْتَاذِهِنَّ قَبْلَهُ ، وَاسْتَبْقَى بَعْضَهُنَّ مَعَهُ ، وَخَرَجَ مِنْ
بَغْدَادَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ سَادِسِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا ، وَكَتَبَ الْغِلْمَانُ
الْأَسْفَهْسِلَارِيَّةُ إِلَى
الْمَلِكِ أَبِي كَالِيجَارَ ; لِيُقْدِمَ عَلَيْهِمْ ، فَلَمَّا قَدِمَ تَمَهَّدَتِ الْبِلَادُ ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِنَادِ وَالْإِلْحَادِ ، وَنَهَبُوا دَارَ
جَلَالِ الدَّوْلَةِ وَغَيْرَهَا ، وَتَأَخَّرَ مَجِيءُ
nindex.php?page=showalam&ids=12136أَبِي كَالِيجَارَ ، وَذَلِكَ أَنَّ وَزِيرَهُ الْعَادِلَ
بْنَ مَافَنَّةَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْقُدُومِ إِلَى
بَغْدَادَ [ ص: 642 ] فَكَثُرَ
الْعَيَّارُونَ بِبَغْدَادَ ، وَتَفَاقَمَ الْحَالُ بِهِمْ ، وَفَسَدَ الْبَلَدُ ، وَافْتَقَرَ
جَلَالُ الدَّوْلَةِ بِحَيْثُ إِنَّهُ احْتَاجَ إِلَى أَنْ بَاعَ بَعْضَ ثِيَابِهِ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَجَعَلَ
أَبُو كَالِيجَارَ يَتَوَهَّمُ مِنَ
الْأَتْرَاكِ ، وَيَطْلُبُ مِنْهُمْ رَهَائِنَ ، فَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ ، وَطَالَ الْفَصْلُ ، فَرَجَعُوا إِلَى مُكَاتَبَةِ
جَلَالِ الدَّوْلَةِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ ، وَشَرَعُوا فِي الِاعْتِذَارِ إِلَيْهِ ، وَخَطَبُوا لَهُ فِي الْبَلَدِ عَلَى عَادَتِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى
بَغْدَادَ ، وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ الرُّسُلَ إِلَى
الْمَلِكِ أَبِي كَالِيجَارَ ، وَمِمَّنْ بَعَثَ إِلَيْهِ الْقَاضِي
nindex.php?page=showalam&ids=15151أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ ، يُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، وَيَسْتَوْحِشُ مِنْهُ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ ، وَقَدْ تَحَمَّلَ أَمْرًا عَظِيمًا ، فَسَأَلَ أَنْ يُلَقَّبَ بِالسُّلْطَانِ الْمُعَظَّمِ مَالِكِ الْأُمَمِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ : هَذَا لَا يُمْكِنُ ; لِأَنَّ السُّلْطَانَ الْمُعَظَّمَ الْخَلِيفَةُ ، وَكَذَلِكَ مَالِكُ الْأُمَمِ . ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى تَلْقِيبِهِ بِمَلِكِ الدَّوْلَةِ ، فَأَرْسَلَ مَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيِّ تُحَفًا عَظِيمَةً ; مِنْهَا أَلْفُ أَلْفِ دِينَارٍ سَابُورِيَّةٍ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الدَّرَاهِمِ آلَافٌ ، وَتُحَفٌ وَأَلْطَافٌ . وَاجْتَمَعَ الْجُنْدُ عَلَى طَلَبِ أَرْزَاقِهِمْ مِنَ الْخَلِيفَةِ ، فَتَعَذَّرَ ذَلِكَ ، فَرَامُوا أَنْ يَقْطَعُوا خُطْبَتَهُ ، فَلَمْ تُصَلَّ الْجُمُعَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ ، ثُمَّ خُطِبَ لَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ الْقَابِلَةِ ، وَتَخَبَّطَ الْبَلَدُ جِدًّا وَكَثُرَ
الْعَيَّارُونَ .
ثُمَّ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ حَلَفَ الْخَلِيفَةُ
لِجَلَالِ الدَّوْلَةِ بِخُلُوصِ النِّيَّةِ وَصَفَائِهَا ، وَأَنَّهُ عَلَى مَا يُحِبُّ مِنَ الصِّدْقِ وَصَلَاحِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ ، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ لَعِبِ
جَلَالِ الدَّوْلَةِ وَشُرْبِهِ النَّبِيذَ وَتَهَتُّكِهِ بِهِ ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَى الْخَلِيفَةِ وَاصْطَلَحَا عَلَى فَسَادٍ .
وَفِي رَجَبٍ غَلَتِ الْأَسْعَارُ جِدًّا
بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرَاضِي
الْعِرَاقِ ، وَلَمْ يَحُجَّ
[ ص: 643 ] أَحَدٌ مِنْهَا .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَ مُوتَانٌ عَظِيمٌ بِبِلَادِ
الْهِنْدِ وَغَزْنَةَ وَخُرَاسَانَ وَجُرْجَانَ وَالرَّيِّ وَأَصْبَهَانَ ، خَرَجَ مِنْهَا فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ جِنَازَةٍ ، وَفِي نَوَاحِي الْجَبَلِ
وَالْمَوْصِلِ وَبَغْدَادَ طَرَفٌ قَوِيٌّ مِنْ ذَلِكَ بِالْجُدَرِيِّ ، بِحَيْثُ لَمَّ تَخْلُ دَارٌ مِنْ مُصَابٍ بِهِ ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ فِي حَزِيرَانَ وَتَمُّوزَ وَآبَ وَأَيْلُولَ وَتِشْرِينَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَكَانَ فِي الصَّيْفِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْخَرِيفِ . قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمُنْتَظَمِ " . وَقَدْ رَأَى رَجُلٌ فِي مَنَامِهِ مِنْ
أَهْلِ أَصْبَهَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مُنَادِيًا يُنَادِي بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ : يَا
أَهْلَ أَصْبَهَانَ سَكَتَ ، نَطَقَ ، سَكَتَ ، نَطَقَ . فَانْتَبَهَ الرَّجُلُ مَذْعُورًا ، فَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ تَأْوِيلَهَا ، حَتَّى قِيلَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ لَبِيبٍ ، فَقَالَ : احْذَرُوا يَا
أَهْلَ أَصْبَهَانَ فَإِنِّي قَرَأْتُ فِي شِعْرِ
nindex.php?page=showalam&ids=11876أَبِي الْعَتَاهِيَةِ قَوْلَهُ :
سَكَتَ الدَّهْرُ زَمَانًا عَنْهُمُ ثُمَّ أَبْكَاهُمُ دَمًا حِينَ نَطَقْ
فَمَا كَانَ غَيْرَ قَلِيلٍ حَتَّى جَاءَ
الْمَلِكُ مَسْعُودُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا ، حَتَّى قَتَلَ النَّاسَ فِي الْجَوَامِعِ .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَفَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12136الْمَلِكُ أَبُو كَالِيجَارَ بِالْخَادِمِ
صَنْدَلٍ ، فَقَتَلَهُ ، وَكَانَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى مَمْلَكَتِهِ ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِوَى الِاسْمِ ، فَاسْتَرَاحَ مِنْهُ .
وَفِيهَا مَاتَ مَلِكُ التُّرْكِ الْكَبِيرُ صَاحِبُ بِلَادِ
مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَاسْمُهُ
قَدْرَخَانُ .